كان واضحا أن الدكتور أحمد الريسوني سوف يجد نفسه في مأزق كرئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بعد تصريحاته الأخيرة؛ إما أن يستقيل وإما أن يتفكك الاتحاد بعد انسحاب علماء الجزائر منه احتجاجا؛ وقد اختار الريسوني الاستقالة؛ التي لا بد أن يكون وراءها ضغوط.
الريسوني إذن دفع رأسه ثمنا لموقف وطني مشرف يستحق عليه الاحترام؛ وهذا انعكاس للموقف الرسمي للدولة؛ أن لا مساومة في القضية الوطنية.
ولكن بعيدا عن هذا الموقف؛ تطرح الاستقالة موضوعا شائكا؛ وهو موقع العلماء من القضايا الداخلية لبلدانهم والتوفيق بينها وبين قضايا الأمة. ما حصل يكشف لنا بوضوح أن النزعة القطرية – بضم القاف – توجد في حالة صدام مع اختيارات الأمة؛ وأن مفهوم الأمة اليوم هو خطاب سياسي ايديولوجي أكثر منه خطابا واقعيا؛ وبالتالي أصبح مطلوبا من العلماء الالتصاق بواقع بلدهم أكثر من ارتباطهم بقضايا الأمة التي لا يوجد حولها إجماع في التفاصيل؛ فنحن اليوم نتجه أكثر فأكثر نحو النزعة القطرية الضيقة؛ وهذا يعني بكل صراحة أن علماء المسلمين بات عليهم الوقوف إلى جانب التاريخ الاستعماري ودعم مخلفاته على حساب التاريخ الحقيقي؛ وإلا وجدوا أنفسهم في مواجهة مع الدولة القطرية.
إنها إشكالية عويصة جدا؛ تفترض استقالة العلماء من الشأن السياسي والاكتفاء بالقضايا الدينية الخاصة التي تهم الفرد لا القضايا العامة التي تهم الأمة. ويمهد هذا لتحول كبير في الأدوار التاريخية للعلماء. فنحن اليوم نقيس دور العلماء إلى دور علماء الماضي؛ بينما كان هؤلاء يعيشون ظروفا مختلفة ما قبل ولادة الدولة القطرية؛ التي نسميها دولة وطنية état nation تقليدا للغرب؛ وهذا خطأ كبير؛ لأن الدولة الوطنية في أوروبا كانت إطارا سياسيا لقوميات محددة؛ بينما نشأت عندنا موزعة القوميات على أكثر من دولة؛ وهذا ما حصل في المغرب مثلا؛ حيث ولدت الدولة بعد الاستعمارين الفرنسي والاسباني ناقصة السيادة؛ وبقي جزء من المغاربة تحت السيادة الجزائرية بسبب التقسيم الاستعماري.
ما ينطبق على العلماء ينطبق على الحركات الإسلامية. فقد ظهرت هذه الحركات قطرية لكن بخطاب يشمل الأمة؛ مما جعلها تعيش تناقضات حادة؛ وقد أسهم حسن الترابي في حل هذا الإشكال نظريا قبل عقدين من الزمن حين طالب باعطاء الأولوية للجانب القطري.
لا يوجد خيار اليوم سوى أن تتحول مؤسسات العلماء إلى آليات للوساطة؛ كما كتبت قبل أسبوع.
الدكتور إدريس الكنبوري: مفكر مغربي