يعرض محمد الشيخ بيد الله، رئيس مجلس المستشارين سابقا ووزير الصحة سابقا ، والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، في الحوار التالي، دلالات سحب البيرو لاعترافها بالكيان الوهمي للبوليساريو، معتبرا إياها خطوة هامة ومكسبا ينضاف إلى المكاسب الأخرى التي تحققت في مسار قضية الصحراء المغربية.

 حوار: جمال بورفيسي

كيف واكبتم خبر سحب البيرو اعترافها بالكيان الوهمي للبوليساريو؟

دعني، قبل أن أُجيبكم عن هذا السؤال، أن أشير بمناسبة تخليد المغرب لثورة  الملك والشعب المجيدة التي تصادف 20 غشت من كل سنة، أن أستحضر  المقولة التاريخية الشهيرة للمغفور له محمد الخامس حينما عاد من منفاه  بكورسيكا، والتي قال فيها مقتديا في ذلك بقول الرسول محمد (صلعم) بعد فتح مكة “إننا رجعنا من الجهاد الأصغر لخوض الجهاد الأكبر”. 

وهذا الجهاد الأكبر تواصل من خلال المشاريع التنموية الضخمة التي عرفتها ربوع المملكة وشملت الصحراء المغربية من كلميم إلى العرقوب بالداخلة. فقد غيرت هذه المشاريع وجه المنطقة كلها ومنحت الجيل الحالي من أبناء الصحراء والأجيال المقبلة هدية ثمينة تتمثل في الازدهار واللحاق بركب الأقاليم الشمالية.

واليوم أقول لشباب ما بعد المسيرة أتمنى أن تستوعبوا هذه الهدية من طرف محمد السادس تكريسا لأماني المغفور له محمد الخامس.

بالنسبة لموضوع سحب البيرو لاعترافها بالكيان الوهمي للبوليساريو، لاشك أنها  تُعتبر خطوة هامة ومكسبا ينضاف إلى المكاسب الأخرى التي تحققت في مسار وحدتنا الترابية.

ودعني هنا أؤكد أن الزيارة الملكية التاريخية التي قام بها جلالة الملك محمد السادس لمجموعة من الدول في مننطقة أمريكا اللاتينية عام 2004،  تركت صدى طيبا في تلك الدول، فهو أول زعيم عربي وملك مغربي يزور المنطقة. لقد تركت تلك الزيارة بصمة قوية وقوبلت بكثير من الفخر والاعتزاز من طرف قادة وزعماء تلك الدول، ومنذئذ لاحظنا تحولا في مواقف العديد من الدول تجاه النزاع المفتعل في الصحراء المغربية. 

بالإضافة إلى ما سبق، فإن الحرب الروسية الأوكرانية وما تفرضه من تحديات  على مستوى الطاقة والأمن الغذائي، حتمت مراجعة بعض الدول  لأوراقها، ومنها البيرو. وأصبح هناك حرص على تعزيز العلاقات مع المغرب للتعاون في العديد من المجالات، ومنها المجال الفلاحي، خاصة بالنظر إلى الأهمية الجيواستراتيجية للمغرب باعتباره بوابة افريقيا.

من الملاحظ أن قرار البيرو جاء أياما قليلة فقط على ربط كولومبيا لعلاقات مع الجبهة الانفصالية (بوليساريو)، ما رأيكم؟

لم يستوعب أحد، في كولومبيا، هذه الخطوة التي قام بها  الرئيس غوستافو بيترو. وقد فجرت هذه الخطوة معارضة قوية داخل المجتمع الكولومبي، وأصبح يواجه مشاكل مع الرأي العام الكولومبي. 

وتحضرني في هذا السياق، الانتقادات الحادة  التي تعرض لها من طرف كاتب الأعمدة الشهير بموقع “ifm noticias” الإلكتروني الكولومبي، إدوارد ماكينزي، الذي أكد أن الرئيس الكولومبي الجديد وجّه، باستئنافه العلاقات مع الكيان الوهمي، “ضربة لكولومبيا” و”أضر بالعلاقات المتميزة مع المغرب”ّ.  وأضاف الكاتب أن غوستافو بيترو، باتخاذه هذا “الإجراء الغريب، يطبق الأجندة التي يمليها كل من حزب بوديموس ومجموعة من الدكتاتوريات المرعبة، ضاربا بعرض الحائط مصالح كولومبيا”.

 وربما لكي نفهم موقف الرئيس الجديد، لابد من العودة إلى مسار حياته، حيث انضم في سن 17 عامًا، كمقاتل في ميليشيا عسكرية هي حركة 19 ابريل ، والتي تحولت في ما بعد إلى حزب يحمل اسم التحالف الديمقراطي إم 19، وترشح بيترو على قائمته في انتخابات مجلس النواب الكولومبي في عام 1991، وانتخب عضوا فيه.  

والمثير للانتباه أن برج “كولباتريا” الكولومبي الشهير،اكتسى وتزين بألوان العلم المغربي في إطار احتفالات سفارة المملكة المغربية بكولومبيا، بمناسبة الذكرى التاسعة عشرة لاعتلاء الملك محمد السادس العرش ، في تعبيرعن الصداقة المغربية الكولومبية.

من المؤسف أن يتخذ رئيس كولومبيا قرار استئناف العلاقات مع البوليساريو، في الوقت الذي كان يتعين عليه أن يعزز علاقاته مع المغرب، ويتفرغ لتدبير الشؤون الداخلية لبلده. 

ويبدو أنه أخطأ العنوان، في وقت يتزايد فيه عدد الدول التي تسحب اعترافها بالكيان الوهمي وتعلن دعمها للموقف المغربي ولمقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية. 

 هل تتوقعون أن  يُعطي الموقف الإسباني الجديد بشأن الوحدة الترابية للمملكة دفعة قوية لتحقيق مكاسب جديدة في القارة اللاتينية؟

بكل تأكيد، اسبانيا الآن تبنت موقفا إيجابيا من شأنه أن يؤثر إيجابا على مواقف عدد من الدول بأمريكا اللاتينية.

اسبانيا تعرف حقيقة النزاع وتعرف أهمية المقترح المغربي لحله، ولذلك دعمته. اسبانيا تعرف أن الذي يستفيد من خيرات الصحراء هم أبناء الصحراء.

 إن أغلب الدول ومنها الدول الأوربية، خاصة اسبانيا، لا يمكن أن تجازف باستقرار المنطقة والتهديدات الأمنية التي تُمثلها الحركات الانفصالية والمسلحة بالمنطقة.

واليوم وفي ظل الحرب الروسية الأوكرانية، هناك نظريات جيواستراتيجية جديدة يتبناها حلف الشمال الأطلسي، نابعة من المخاوف من أن تتوغل روسيا إلى المنطقة عن طريق موريتانيا التي لها مياه إقليمية قريبة من جزر الكناري. يكتسي مثلث البحر الأبيض المتوسط وحدود أمريكا والكاراييب أهمية كبيرة للأوربيين، خاصة البرتغاليين، ولا يمكن أن يصبح مهددا، فلن يقبل الأوربيون من يهدد مصالحهم في هذه المنطقة.  

ملف الصحراء لم يعرف أي تقدم بسبب تعنت الجزائر ورفضها للحلول المقترحة، في الوقت الذي بذل فيه المغرب جهودا استثنائية لحلحلته، هل تعتقدون أن المبعوث الأممي الجديد إلى الصحراء ستافان دي ميستورا يمتلك الأوراق الكافية لحلحلة الملف؟  

النزاع المفتعل فى الصحراء المغربية يطعمه النظام الجزائري ويعمل جاهدا من أجل ستدامته لعدة أسباب، منها معاكسة المغرب ومحاولة فرملة نهضته التنموية، ولكن كذلك لأغراض داخلية لتغطية فشل العسكر فى مواكبة التطورات العالمية و لضبط الرأي العام الجزائرى والتحكم فيه وإلهائه عن مشاكله الحقيقية، وصناعة عدو خارجى لحشد الرأي العام وراء العسكر وإلهائه عن التمعن فى الانعكاسات السلبية لتدبير شؤون البلاد، رغم الوسائل الضخمة التي تتوفر عليها الجارة الشرقية. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *