تحضيرا لزيارة يتوقع الكثير من المتتبعين أن تكون غير ناجحة، تتزين قصور حكام الجزائر لاستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما ابتلع رموز نظام الكابرانات، ما وصف بإهانات سبق أن كان قد وجهها لهذا البلد المحكوم من طرف العسكر.
و أعلن قصر الإليزيه، أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، سيزور الجزائر في الفترة من من 25 إلى 27 غشت الجاري، بهدف إعادة إحياء الشراكة بين البلدين “بعد شهور من التوتر” وفق وكالة فرانس برس.
وجاء في بيان للرئاسة الفرنسية صدر بعد اتصال هاتفي بين ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبّون إن “هذه الزيارة ستساهم في تعميق العلاقات الثنائية مستقبلا.. وتعزيز التعاون الفرنسي-الجزائري في مواجهة التحديات الإقليمية ومواصلة العمل على ذاكرة” فترة الاستعمار.
وتدهورت العلاقات بين باريس والجزائر، العام الماضي، بعدما اتهم ماكرون النظام “السياسي-العسكري” الجزائري بتكريس سياسة “ريع الذاكرة” بشأن حرب الاستقلال وشكك في وجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي. واستدعت الجزائر سفيرها في فرنسا حينذاك، ليعود لاحقا، بينما بدا أن البلدين أعادا ترميم العلاقات.
يذكر أنه في تطور متسارع لجهر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون في أكتوبر من العام الماضي بحقيقة قيام الدولة الجزائرية على أنقاض الاستعمار الفرنسي، سارعت حكومة الرئيس عبد المجيد تبون إلى استدعاء سفيرها في باريس، محمد عنتر داود للتشاور.
وأضافت وقتها الرئاسة الجزائرية التي أدخلت بلاد الجزائر في عزلة عالمية قاسية، في بلاغ لها، أن “سيتم إصدار بيان في هذا الشأن لاحقا”.
واندلعت الأزمة، عندما أكد ماكرون في رده على مداخلة أحد الشباب الذين قالوا إن الجزائريين لا يكنّون كراهية لفرنسا: “أنا لا أتحدث عن المجتمع الجزائري في أعماقه ولكن عن النظام السياسي العسكري الذي تم بناؤه على هذا الريع المرتبط بالذاكرة، أرى أن النظام الجزائري متعب وقد أضعفه الحراك”.
وكشفت حينذاك صحيفة “لوموند” الفرنسية أن الرئيس الفرنسي ماكرون استقبل في قصر الإليزيه، لمدة ساعتين، 18 شابا فرنسياً من أصل جزائري ومن مزدوجي الجنسية وبعض الجزائريين، لمناقشة مسألة “مصالحة الشعوب”، بهدف تهدئة “جرح الذاكرة”، وفق الصحيفة.
وقالت “لوموند” إن ماكرون أراد أن يُخاطب هؤلاء الشباب بالذات، لأن نور وأمين ولينا وغوتييه ولوسي ويوان هم أحفاد مقاتلين في جبهة التحرير الوطني أو حركيين أو المعمرين العائدين (أقدام سوداء) ويهود.
وأحدهم هو حتى حفيد الجنرال سالان، الرئيس السابق لمنظمة الجيش السري (OAS). ومنذ شهر يونيو الماضي، يلتقي هؤلاء الشباب، ومعظمهم من الطلاب، مع بعضهم البعض ويفكرون في كيفية تجميع كل هذه الذكريات التي ورثوها.
وقد جمعتهم سيسيل رونو المسؤولة عن تنفيذ توصيات تقرير بنجامين ستورا حول “ذاكرة الاستعمار والحرب الجزائرية” المقدم في يناير الماضي للرئيس إيمانويل ماكرون.
وبحسب الصحيفة فقد حددوا لأنفسهم مهمة تقديم عشر رسائل إلى ماكرون بحلول نهاية أكتوبر والتي يفترض أن تغذي تفكيره فيما يتعلق “بمصالحة الذاكرة بين الشعبين الفرنسي والجزائري”.
ويعد لقاء الرئيس ماكرون لهم في قصر الإليزيه بمثابة نقطة انطلاق وفرصة للرئيس الفرنسي لمواجهة جيل جديد من الشباب المعنيين بمصالحة الذاكرة الفرنسية- الجزائرية.
وتذكر “لوموند” وفق ترجمة لمقالها من طرف “القدس العربي”، أن ماكرون استمع إلى هؤلاء الشباب وإلى ملاحظاتهم دون أن يقاطعهم، مشيرة إلى مداخلات رجاء، البالغة من العمر 20 عاماً، التي اقترحت أن تشكل الجزائر، من استعمارها إلى الحرب، “موضوعا أساسيا في مناهج المدارس الفرنسية”.
أما نورة التي نشأت في الجزائر العاصمة، فأوضحت للرئيس الفرنسي، أن الشباب الجزائري ليس لديهم “كراهية” تجاه فرنسا.
ورد عليها ماكرون، قائلا: “لا أتحدث عن المجتمع الجزائري في أعماقه ولكن عن النظام السياسي العسكري الذي تم بناؤه على هذا الريع المرتبط بالذاكرة. أرى أن النظام الجزائري متعب وقد أضعفه الحراك.
لدي حوار جيد مع الرئيس تبون لكنني أرى أنه عالق داخل نظام صعب للغاية”.
في حين اقترحت لوسي، وهي حفيدة أحد الحركيين، وتبلغ من العمر 27 عامًا، أن يلقي الرئيس الفرنسي خطابًا كبيرًا حول حرب الجزائر يقول فيه الحقيقة التاريخية (…). بينما اقترح يوهان، البالغ من العمر 35 عاما، وهو حفيد أحد اليهود المعمرين العائدين، اقترح “البناء المشترك” لأماكن الذاكرة في المنطقة.
ولتحقيق ذلك، دعا إلى تسهيل إصدار التأشيرات حتى يتمكن الشباب من الجانب الآخر من القدوم لزيارتهم. وهذا هو موضوع الساعة في الوقت الراهن.
في الواقع، قلصت باريس منح التأشيرات للجزائريين (إلى جانب المغاربة والتونسيين) في مواجهة رفض البلاد إعادة مواطنيها الذين هم في وضع غير نظامي في فرنسا.
وبحسب “لوموند” فلطمأنة ضيوفه الشباب، أكد ماكرون: “لن يكون هناك تأثير على الطلاب ومجتمع الأعمال. سنقوم بالتضييق على الأشخاص ضمن النظام الحاكم، الذين اعتادوا على التقدم بطلب للحصول على تأشيرات بسهولة.
هي وسيلة ضغط للقول لهؤلاء القادة إنه إذا لم يتعاونوا لإبعاد الأشخاص الموجودين في وضع غير نظامي وخطير في فرنسا، فلن نجعل حياتهم سهلة”.
وعلاوة على ذلك، قال ماكرون، في رده على إحدى المداخلات، إنه يريد إنتاجًا تحريريًا تبثه فرنسا، باللغتين العربية والأمازيغية، في المنطقة المغاربية، لمواجهة “التضليل” و“الدعاية” التي يقودها الأتراك، الذين “يعيدون كتابة التاريخ”، بحسبه.
ويتساءل الرئيس الفرنسي: “هل كان هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ هذا هو السؤال”، بحسبه، ويضيف أنه كان هناك استعمار قبل الاستعمار الفرنسي.
ويذهب للقول “أنا مفتون برؤية قدرة تركيا على جعل الناس ينسون تمامًا الدور الذي لعبته في الجزائر والهيمنة التي مارستها، وشرح أن الفرنسيين هم المستعمرون الوحيدون. وهو أمر يصدقه الجزائريون”.
وعادت العلاقة بين الجزائر وباريس، في برود مغربي فرنسي، بعدما تنازل حكام الجزائر عن جميع تهديداتهم بقطع العلاقات مع فرنسا وان لم يعتذر ماكرون ويسحب إهاناته للجزائر.