كما جرت العادة، وجه رئيس الحكومة لمختلف المصالح الوزارية المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية برسم سنة 2023، مجددا من خلالها التزام الحكومة بتعزيز أسس الدولة الاجتماعية.
هذه المذكرة، التي تعلن عن التوجهات الرئيسية المطلوب من كل مصلحة وزارية اتباعها في إعداد ميزانية سنة 2023، لا تقدم تفاصيل على شكل أرقام حول الفرضيات المعتمدة من طرف الحكومة في إعداد ميزانية 2023، لكنها تبرز بوضوح التزام السلطة التنفيذية بمواصلة إجراء الإصلاحات اللازمة لتعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وذلك بالرغم من السياق المتسم باضطرابات كبيرة على المستوى الدولي.
ما بعد “كوفيد”
فبينما كان العالم يتأهب لدخول حقبة ما بعد “كوفيد”، أدى اندلاع الصراع الروسي الأوكراني إلى تفاقم اضطرابات التجارة العالمية وسلاسل التوريد، مما تسبب في ارتفاع أسعار المواد الخام (الحبوب والنفط والغاز)، وتدهور الآفاق الاقتصادية العالمية.
ولم تمر هذه الظرفية مرور الكرام على المغرب، بما أن أسعار الاستهلاك عرفت ارتفاعا ملموسا، بالموازاة مع معظم بلدان العالم التي تعرضت لمعدلات تضخم غير مسبوقة.
ووفقا لوزارة الاقتصاد والمالية، فإن الاقتصاد الوطني هذه السنة، وبعد قفزة نسبتها 7,9 في المائة في سنة 2021، سيسجل تباطؤا إلى 1,5 في المائة، مفسرة هذا التباطؤ بانخفاض الطلب الأجنبي الموجه للمغرب، ولاسيما الخاص بمنطقة الأورو، علاوة على تراجع محصول الحبوب.
وأمام هذا الوضع، أجرت السلطات العمومية، عن طريق سياسة استباقية وفعالة، إصلاحات كبرى بهدف توفير الدعم اللازم للأسر والشركات المتضررة، علاوة على إطلاق المشروع الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر إنشاء صندوق محمد السادس للاستثمار، وإصلاح القطاع العام.
وفي هذا السياق، حددت المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لسنة 2023 أهدافا رئيسية متمثلة في مواصلة هذه الإصلاحات الكبرى بغية التعامل مع هذا الوضع الغامض، وتعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وإنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار.
إنعاش الاقتصاد الوطني
بالنظر إلى دور الاستثمار كرافعة أساسية للخروج من الأزمة، وتكريس دعائم الدولة الاجتماعية، وإرساء أسس اقتصاد وطني أكثر عدالة وازدهارا، ستواصل الحكومة دعم جهود الاستثمار العمومي، جنبا إلى جنب مع تشجيع الاستثمار الخاص.
وفي هذا الإطار، ستسهر الحكومة على تنفيذ التوجيهات الملكية السامية الهادفة إلى تمتيع المغرب بميثاق استثمار تنافسي جديد، قادر على إحداث فرص الشغل، وتحقيق قيمة مضافة عالية، وتقليص الفوارق المجالية من حيث الجاذبية للاستثمار.
إعطاء زخم جديد للتشغيل
وفي ما يتعلق بالتشغيل، تعتزم الحكومة مواصلة البرامج التي بدأتها في إطار ولايتها، ولاسيما عبر تنفيذ برنامج “أوراش” الذي يهدف إلى خلق حوالي 250 ألف فرصة شغل، خلال سنتي 2022 و2023.
بالإضافة إلى ذلك، ستشجع مبادرات المقاولين الشباب في المجال الفلاحي وستواصل تنفيذ برنامج “انطلاقة”، بالإضافة إلى برنامج “فرصة” القائمين على دعم المبادرات الفردية، من خلال المواكبة والتكوين طيلة مراحل المشروع ومنح قروض شرف دون شروط مسبقة.
تعزيز أسس الدولة الاجتماعية
جعلت الحكومة من إرساء دعائم الدولة الاجتماعية خيارا استراتيجيا في إطار برنامجها الذي يضم بين مبادئه، مأسسة العدالة الاجتماعية عبر تعميم الحماية الاجتماعية وتعزيز مسؤولية الدولة ودورها المحوري في مكافحة الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية.
وفي هذا السياق، ستنكب الحكومة، في سنة 2023، على تفعيل تعميم التعويضات العائلية، وذلك وفقا لمقاربة تقوم على المساعدة المباشرة عن طريق استهداف الفئات الهشة والمؤهلة لهذه التعويضات.
وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في خطاب العرش، ستعمل السلطة التنفيذية على تعميم هذه التعويضات وفقا لتواريخ محددة، بغية استفادة حوالي 7 ملايين طفل من أسر هشة وفقيرة و3 ملايين أسرة دون أطفال في سن التمدرس.
ولأجل تحقيق ذلك، ينبغي على الحكومة توفير الموارد اللازمة لضمان تنفيذ كل هذه الأوراش المهيكلة، مع السهر على الحفاظ على التوازنات الماكرو-اقتصادية والتي تظهر إلى غاية اليوم صمودا قويا.