بعض الشخصيات السياسية والدينية تُصرعلى افتعال قضايا أصبحت من التاريخ، لإشعال نار الفتنة بين المغرب وموريتانيا، بدعوى الخوض في” التاريخ”، و”حرية الرأي”، متجاهلين أن هناك قواعد أخلاقية وموضوعية ينبغي التقيد بها مراعاة للعلاقات السياسية والدبلوماسية التي تجمع البلدين.
حدث هذا مع حميد شباط، الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، الذي أدلى بدلوه في الموضوع، في لحظة طيش، متسببا في أزمة مع موريتانيا كلفت المغرب مجهودا دبلوماسيا كبيرا لإرجاع الأمور إلى طبيعتها وطي صفحة “الخلاف”.
واليوم يتكرر السيناريو نفسه مع أحمد عبد السلام الريسوني، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
ورغم أن الريسوني لا يشغل أي منصب سياسي أو حتى حزبي، وليست لديه أية صفة “مؤسساتية” داخل المغرب، إلا أن تصريحاته بشأن موريتانيا أثارت ضجة كبيرة لدى الجارة الموريتانية أعادت إلى الأذهان تصريحات شباط، حيث ووجه الريسوني بانتقادات شديدة، خاصة في أوساط بعض الفاعلين المدنيين بموريتانيا ولدى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي..
ما الجدوى في الخوض في التاريخ، إذا كان غير مفيد في تحقيق مكسب ما، ولا يجني منه المغرب سوى سوء الفهم، بل إذا كان من شأنه فقط تأجيج خلافات سياسية، المغرب في غنى عنها في هذه الظرفية الحساسة، بالذات؟.
الريسوني، الذي انتمى في أوقات سابقة إلى مربع القيادة بحزب العدالة والتنمية، أكد في حديث لموقع “بلانكا بريس”، أن “وجود موريتانيا غلط من الأساس، إلى جانب قضية الصحراء”، مؤكدا أن “المغرب ينبغي أن يعود إلى ما كان عليه قبل الغزو الأوروبي لما كانت موريتانيا جزءًا منه”.
وأضاف بأن “بيعة علماء موريتانيا وأعيانها للعرش الملكي ثابتة”، مشددا على أن “موريتانيا صناعة استعمارية، لكن المغرب اعترف بها على كل حال، وسنترك للتاريخ كلمته في المستقبل”.
وقد اعتبر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في بيان توضيحي، بأن “الرأي لا يلزم سوى قائله، وهو ليس رأي الاتحاد”.
الجارة الشرقية (الجزائر) لم تبق صامتة تجاه تصريحات الريسوني حول الصحراء المغربية، بل استنفرت أبواقها الدعائية للتحريض ضد الريسوني، متجاوزة إياه في محاولة للإساءة إلى المغرب، من خلال توظيف تعسفي لتصريحات رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
في هذا السياق، كتبت يومية الشروق عن “سقطة كبيرة وقعها المغربي أحمد الريسوني”، مدعية أنه حرض على “الجهاد ضد الجزائر”، و”استرجاع تندوف وضمها إلى المملكة”.
وزادت الصحيفة أن الريسوني “أقر أنه على دين السياسي المغربي علال الفاسي الذي اخترع فكرة حدود المملكة المغربية تمتد إلى نهر السنغال وأجزاء واسعة من الجزائر كتندوف وبشار والقنادسة وحتى البيض”.
البوق الدعائي لنظام العسكر ذهب إلى حد وصف تصريحات الريسوني بالخطيرة.
وكان الريسوني صرح بخصوص موضوع الصحراء أنها “صناعة استعمارية؛ لكن، للأسف، تورطت دول عربية شقيقة وإسلامية في تبني هذه الصناعة الاستعمارية”.
تصريحات الريسوني اعتبرها رأي شخصي اجتزئت من سياقها، حيث تحدث عن موريتانيا بمنطق التاريخ وليس الواقع السياسي الراهن، غير أن ردود الفعل كانت من منطلق سياسي. وقال “لم يكن وراء تصريحاتي أي حسابات سياسية”.