يطرح عودة اليسار في أمريكا اللاتينية، بوصول غوستافو بيتروأوريغو الى الحكم في كولومبيا، تحديات برغماتية أمام الدبلوماسية الموازية البرلمانية، بما يجعلها تنتقل من لعب دور الشاهد على الاحداث الى دور الفاعل فيها.

 لا بل ومن وضع المشارك في إحتفالات منجزات الدبلوماسية الرسمية، إلى موقع صانع الانتصارات الدبلوماسية الموازية، خاصة في أمريكا اللاتينية.

لقد طوى “غوستافو بيتروأوريغو” صفحة هيمنة اليمين على المشهد السياسي والرئاسي الكولومبي، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على   منافسه “رودلفو إيرنانديز، أو هكذا يبدو الأمر مع ما لذلك من تأثير على الدبلوماسية المغربية الموازية تحديدا.

إن التغيير الذي عرفته كولومبيا، لا يُشكل استثناء في أمريكا اللاتينية، التي أضحت تعيش على وقع تغيرات سياسية عميقة في العديد من البلدان، سمتها الأساسية عودة اليسار، وهو ما يمكن ملامسته في دول مثل البيرو والشيلي، ومن غير المستبعد أن يترسخ هذا التوجه مع العودة المحتملة لـ”لولا دا سيلفيا” في انتخابات البرازيل القادمة. 

ولاشك أن عودة اليسار في أمريكا اللاتنية سيكون له وقع على العلاقات الدولية. وفي الحالة المغربية، فإن التساؤل المطروح هو ما هي انعكاسات ذلك على التوازنات السياسية، خاصة في ما يتعلق بقضية وحدتنا الترابية؟ .

وارتباطات اليسار وتعاطفه مع الحركات الانفصالية كانت معروفة في عدد من دول أمريكا اللاتينية، خاصة إبان فترة الحرب الباردة، ورغم أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر خلال العقود الأربعة الأخيرة، التي اتسمت بتراجع نسبي لليسار، إلا أن ثمة من يتمسك بدعم تلك الحركات.

والمثير، في حالة كولومبيا، أن أول قرار اتخذته بالنسبة إلى سياستها الخارجية يتمثل في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجبهة الانفصالية (بوليساريو).

فبعد مرور وقت وجيز على تنصيب الحكومة الكولومبية، أصدرت وزارة الخارجية الكولومبية بلاغاً أعلنت فيه عودة العلاقات بينها وبين الجبهة الانفصالية، استنادا إلى بيان مشترك موقع في 27 فبراير 1985.

وكانت كولومبيا قد اعترفت بجبهة (بوليساريو) سنة 1985 في خضم موجات الاعتراف بهذه الحركة في نهاية السبعينات والثمانينات، غير أنها أقدمت لاحقا على تجميد اعترافها، بل تبنت كولومبيا موقفا داعما للمغرب فيما يخص النزاع المفتعل في الصحراء المغربية.

إن استقبال الرئيس اليساري الجديد “غوستافو بيترو أوريغو”، الأربعاء في بوغوتا وزير خارجية الجمهورية الوهمية، المدعو، محمد سالم ولد السالك، وسفير الجبهة بأمريكا اللاتينية، المسمى، محمد زروج، ينطوي على مخاطر محدقة بمكاسب المغرب الدبلوماسية في المنطقة.

صحيح، أن كولومبيا و(بوليساريو) سبق أن أقامت علاقات رسمية لأول مرة في عام 1985، لتقدم لاحقا على تجميد اعترافها بالجبهة الانفصالية في عام 2001، بيد أن الفضل في ذلك يعود الى فعالية وقوة الدبلوماسية المغربية، المدعوة وقتها بدبلوماسية موازية تقودها أحزاب اليسار المشاركة في حكومة التناوب وقتها، بقيادة الزعيم اليساري الراحل عبد الرحمان اليوسفي.

لقد حققت الدبلوماسية المغربية على الواجهة الرسمية نجاحات باهرة بفضل الانخراط القوي للملك محمد السادس، الذي قام سنة 2004 بزيارة تاريخية لمجموعة من دول المنطقة وضمنها المكسيك، في إطار تجسيد مرتكزات السياسة الخارجية للمغرب القائمة على تعزيز التعاون جنوب-جنوب، ولاسيما مع دول أمريكا اللاتينية. 

 هذه النجاحات، مع الأسف، لم تلق لاحقا الإنخراط الكافي من طرف الدبلوماسية الموازية وخاصة الدبلوماسية، البرلمانية التي تخلفت عن مجاراة الدبلوماسية الرسمية.

لقد إكتفت بالعيش في ظل المكاسب الدبلوماسية الرسمية دون أن تقدم أية إضافات في مستوى الطموحات، رغم الزيارات المكوكية للوفود البرلمانية إلى بلدان أمريكيا اللاتينية، دون النفاذ الى عمق مختلف مكونات الطبقات السياسية.

 لذلك فمع صدمة، صعود السيار في كولومبيا، وما ترتب عن ذلك من تهديد صريح لمكتسبات الدبلوماسية الرسمية في هذا البلد، تأكد من جديد محدودية تأثير الزيارات المكوكية التي تقوم بها وفود برلمانية، ويُجند لها طاقما كبيرا من المرافقين…

إن البرلمان الذي يقدم في كل دورة تشريعية حصيلة أدائه التشريعي والرقابي والدبلوماسي، مُطالب بضخ دينامية جديدة في وظيفته الدبلوماسية، عوض هدر المال العام في دبلوماسية الود والمجاملات ورحلات الأسفار والتجوال.

لقد حققت الدبلوماسية الرسمية انتصارات تمثلت في سحب عدد كبير من الدول، ضمنها دول في أمريكا اللاتينية اعترافها بـ(بوليساريو)، لكن ثمة حاجة إلى اليقظة وشحذ الهمم لمواجهة التحديات المطروحة مستقبلا، ثمة حاجة أكيدة لدبلوماسية برلمانية نشطة، فاعلة وفعالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *