ما الذي فعله النشيد الوطني المغربي بشاب تركي، اسمه عبدالرحمن ونوس، حتى يقول مفتخرا:”أعجبني نشيدكم”، ويتساءل:”هل تعيد لي كلماته؟”. ثم راح يحكي لزملائه وزميلاته، من المتطوعين في ألعاب التضامن الإسلامي.

كانت منافسات ألعاب القوى تتواصل، يوم الثلاثاء، 09 غشت 2022، بملحق الملعب الميتروبوليتان، لمدينة قونيا التركية، حيث تجري الدورة الرابعة لألعاب التضامن الإسلامي، إذ تعالت موسيقى النشيد الوطني المغربي، احتفاء بنيل العداءة، نورا النادي، ذهبية سباق 400 متر مستوية.

انتهى الكلام. وتسمر الجميع باتجاه واحد، حيث كانت الشاشة الكبيرة تظهر صور حفل التتويج. ودون شعور منا، نحن ثلة من الإعلاميين والرياضيين المغاربة، وقد كنا قريبين من الشاشة، حيث يقف المصورون، رحنا نعلي الصوت بنشيدنا؛ “منبت الأحرار.. مشرق الأنوار”.

كنا في السماء، مثلما الراية المغربية تماما. وكلما تصاعدت الموسيقى، رحنا نعلي الصوت أكثر فأكثر. لا نبالي بمن حولنا، أو بما حولنا. ثم وصلنا إلى الخاتمة، وكانت الأصوات أقوى، تصدر بفخر واعتزاز كبيرين. “إخوتي هيا.. للعلا سعيا.. نشهد الدنيا.. أنا هنا نحيا.. بشعار الله الوطن الملك”.

وبينما كانت التصفيقات تملأ المكان للحظات، إذا بشاب تركي، بلحية وشاربين خفيفين، وشعر أسود، ونظارتين مدورتين، يقترب مني، ويقول لي:”أعجبتني نشيدكم الوطني”. سألته مبتسما:”ما الذي أثارك فيه بالضبط؟”.

قال، بشيء من الخجل يعلو وجهه الأبيض حمرة:”أعجبتني الكلمات”. ثم اقترب قليلا، وهو ما يزال يقف في الصف مع زميلاته وزملائه، يحمل سلة كبيرة، بها ملابس أحد الرياضيين، وقال لي:”هل تعيد لي الكلمات من فضلك؟”.

وما أن قلت لعبدالرحمن ونوس إن النشيد الوطني المغربي، فوق أن كلماته جميلة، فهو يخبئ قصة عجيبة، حتى ظهرت على وجهه علامات التشوق إلى سماع كل التفاصيل. وبدا أيضا أنه محرج، بفعل ضيق الوقت، وارتباطه بالعمل مع زملائه، وخضوعه، معهم، لنظام صارم في تدبير الوقت والأشياء، على اعتبار أن كل فريق منهم يشتغل على جزء من عمل متسلسل، لا يتعين على أحدهم أن يكسر إحدى حلقاته، فيؤثر الأمر على الجانب التنظيمي كله.

ومجددا، أبدى عبدالرحمن ونوس، الطالب التركي بقونيا، إعجابه الشديد بالكلمات. ثم قال لي بعريته المكسرة:”هل تشرح لي أكثر؟”. فقلت له:”باختصار، النشيد الوطني المغربي يعلي شأن الوطن، ويجعله رأس كل شيء. ومن تم، فأبنائه يهبون حياتهم لفدائه. ويشهدون الله على أن هذا دأبهم، مختزلين بكلمات ثلاث، لها مغزاها العميق، ودورها الوثيق، صلتهم بربهم، ووطنهم، وملكهم. إنه نشيد وطن ومواطن قدرهما الحب الأبدي”.

لا أعرف بالضبط إلى أين سافر عبدالرحمن ونوس في تلك الأثناء، وقد لفه الصمت، وتسمرت عيناه، وفتح شفتيه. أما حين قلت له:”هل تريد القصة؟ هل تريد أن تعرف قصة النشيد الوطني المغربي؟ فقد التفت قليلا إلى الوراء، حيث تقف زميلة له، لكي يطمئن بأن هناك وقتا يكفي. وثبت عينيه في وجهي، دلالة أنه على أهبة لكي يسمع الحكاية.

قلت له، وكانت البطلة نورا النادي تقفز فرحا بجانبنا، وهي تحمل الراية المغربية، إن الموسيقى سبقت الكلمات بزمن. كانت هناك حاجة، في المغرب المستقل حديثا، إلى نشيد يعزف في المناسبات، على تنوعها. فاقترح الملك الراحل، الحسن الثاني، على شاعر، اسمه علي الصقلي، أن ينظم كلمات يمكنها أن تتواءم مع الموسيقى التي وضعت من قبل. ومن هنا جاء النشيد، وصار يرافق إعلاء الراية المغربية الحمراء بالنجمة السداسية الخضراء في وسطها، ويتغنى به المغاربة أينما كانوا.

حينما ابتعد عبدالرحمن ونوس قليلا، ليعود إلى مكانه في الصف، لاحظت أنه يشعر بفرح كبير. فقد أضاف إلى معرفته حكاية جديدة مثيرة. ولاحظت بأن زميلته الأقرب، وهي شابة بقامة قريبة من قامته، طلبت منه أن يحكي لها. وخمنت بأنه سيكون فخورا بأن يحكي، وأنه ربما يصبح مقصدا لغيره ممن وصلته الحكاية، ويريد أن يسمعها من مصدرها.

* يونس الخراشي موفد Snrtnews الى قونيا/تركيا        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *