في خطابه الذي أعلن فيه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، جون بايدن، عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وجه الرئيس كلامه إلى الإرهابيين قائلا: “سنلاحقكم أينما كنتم ومهما يطول الوقت”.
الرسالة واضحة، فالولايات المتحدة الأمريكية تأخذ كل الوقت اللازم لتعقب وملاحقة وتصفية الإرهابيين. هذا ما حدث مع زعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وما حدث نهاية الأسبوع الماضي مع ذراعه الأيمن ووريثه على رأس التنظيم أيمن الظواهري.
استسلم الظواهري لشعور خاطئ بالأمان بعدما بسطت طالبان سيطرتها على أفغانستان. وكان يعتقد، ربما، أن آلة القتل الأمريكية لن تطوله وهو في “حراسة” طالبان. كان مُخطئا، إذ أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتخلى عن ملاحقة الرؤوس المُخططة للاعتداءات الإرهابية، والظواهري يعتبر أحد المخططين الرئيسيين لهجمات 11 سبتمبر 2001.
قبل ذلك، في 4 يونيو سنة 2020، قُتِل الإرهابي الجزائري المتخصص في تركيب المتفجرات، “عبد المالك دروكدال”، الملقب بأبي مصعب عبد الودود، في الصحراء المالية بين مدينة تساليت والحدود الجزائرية، من طرف عناصر من القوات الفرنسية في إطار عملية (برخان) العسكرية التي كانت تنشط في منطقة الساحل.
بدأ مساره مع الحركات المسلحة بعد 12 يناير 1992، حين قرر المجلس الأعلى للأمن الجزائري إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية التي فازت فيها الجبهة الإسلامية بنسبة 82%، والتي أدخلت الجزائر في نفق العشرية السوداء. ترقَّى (دروكدال) في التنظيمات المسلحة، وفي 24 يناير 2007، أعلن انخراطه في تنظيم قاعدة الجهاد وتغيير اسم التنظيم من الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي.
في نونبر 2020، أعلن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن تنصيب الجزائري يزيد مبارك، المعروف بـ” أبو عبيدة العنابي”، زعيما جديدا للتنظيم، خلفا للأمير السابق للقاعدة وزعيمها الأول، عبد المالك دروكدال، الذي قُتل في يونيو 2020.
يشكل العنابي، الذي بايع زعيم القاعدة أيمن الظواهري، آخر الإرهابيين ضمن النواة الصلبة، بحسب الأجهزة الأمنية الجزائرية، وقد دفعت خطورة الزعيم الخارجية الأمريكية إلى وضعه في قائمة الإرهابيين العالميين.
وتقول الخارجية الأمريكية إن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يتزعمه العنابي، يتحمل مسؤولية اختطاف وقتل أمريكيين. وعرضت الولايات المتحدة مكافأة بقيمة 7 ملايين دولار مقابل أي معلومة تؤدي إلى تحديد مكان وجود زعيم “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” أبو عبيدة يوسف العنابي.
تصفية العنابي أصبحت مسألة وقت، طالما أنه في ” رادار” الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعهدت منذ اعتداءات نيويورك في 2001 التي حصدت أرواح ما يقرب من 3000 أمريكي، بملاحقة الإرهابيين واستئصال شأفة الإرهاب.
ويشكل الإرهاب الخطر الداهم الأول في منطقة الساحل. و يتغذى بالنزعات الانفصالية، إذ أن العديد ممن انخرطوا في الحركات الإرهابية تولدت لديهم نزعة انفصالية. ومن أبرز هؤلاء “عدنان أبو الوليد الصحراوي”، زعيم تنظيم (داعش) في الصحراء الكبرى، الذي قُتل على يد قوات (برخان) الفرنسية.
وتقول الخارجية الأمريكية إن عدنان أبو وليد الصحراوي يتحمل مسؤولية أعمال العنف التي أودت بحياة عدد لا يحصى من المدنيين والعسكريين في منطقة الساحل، بما في ذلك خلال هجوم 4 أكتوبر 2017 الذي استهدف دورية مشتركة بين الولايات المتحدة والنيجر في منطقة (تونجو تونجو) في النيجر، وأسفرعن مقتل أربعة جنود أمريكيين وأربعة جنود نيجيريين.
فر الصحراوي إلى مخيمات المحتجزين بتندوف في الجزائر حيث تم تجنيده من قبل جبهة (بوليساريو) التي قامت بتأطيره آيديولوجيا وعسكريا ليحارب المغرب.
لقد تحولت منطقة الساحل إلى بؤرة للتنظيمات الإرهابية، خاصة بعد اندحار (داعش) على الجبهة السورية العراقية، حيث حول الإرهابيون أنشطتهم نحو الساحل الافريقي، مستغلين غياب الاستقرار السياسي والصراعات المسلحة التي تعرفها بعض بلدان المنطقة، وضعف المراقبة، وغياب التنسيق في محاربة الإرهاب، وكلها عوامل تغذي الإرهاب والنزعات الانفصالية، وبالتالي فلا عجب أن تتحول (بوليساريو) التي تدعمها الجزائر بالمال والعتاد، إلى حاضنة لتفريح قادة إرهابيين.
ومما يزيد من مخاطر التهديدات الإرهابية والأمنية، رفض النظام الجزائري الانخراط في التعاون والتنسيق مع المغرب في المجال الأمني والاستخباراتي، وهو ما استغلته التنظيمات الإرهابية للتمدد في منطقة الساحل، التي تحولت إلى تربة خصبة للجريمة المنظمة العابرة للحدود.
إن رفض الجزائر الانخراط في التعاون الأمني مع المغرب، من شأنه تقويض الجهود التي يبذلها المغرب في التصدي للتنظيمات الإرهابية ومنع تسلل الإرهابيين إلى المنطقة التي أصبحت مصدر تهديد للأمن في ظل تنامي شبكات الاتجار في البشر والتهريب الدولي للمخدرات ، والهجرة غير القانونية. كما أن من شأن غياب التنسيق الأمني أن يهدد بتقويض جهود فرض القانون في هذه المنطقة المتاخمة للجزائر الجنوبية حيث توجد مخيمات (بوليساريو).