فلا يمكن تعداد المبادرات الملكية السامية التي توخت إنصاف المرأة المغربية، فيكفي هذه الاخيرة فخرا أن ما تحقق لها في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ما زال حلما بعيد المنال لدى النساء في العديد من الدول.
* خديجة الزومي
يخلد الشعب المغربي قاطبة هذه الأيام الذكرى الثالثة والعشرين لتربع مولانا جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وهي مناسبة عظيمة للوقوف على معالم ومنجزات العهد المحمدي الزاهر، الذي عرف فيه المغرب تحولات كبرى وتكرست فيه ريادة بلادنا على الصعيد الإقليمي والدولي بفضل لسياسات التي أطلقها جلالة الملك والهادفة إلى تحقيق التنمية والازدهار للشعب المغربي.
إن أحد أبرز معالم عهد الملك محمد السادس حفظه الله هو المكانة التي أصبحت تحتلها المرأة المغربية في مختلف مناحي الحياة الوطنية، وهي مكانة شهدت منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس حفظه الله تحولا ومنعطفا تاريخيا، على جميع المستويات، ويحق للمرأة المغربية، بل لبلادنا اليوم أن تفخر وتعتز بهذه الرعاية الملكية السامية للمرأة المغربية ولأحوالها، وهو الأمر الذي جسدته العديد من المبادرات الملكية السامية:
1- شكلت مدونة الأسرة التي تم التوافق حول المضامين الخلافية فيها في إطار لجنة ملكية، خطوة تاريخية نحو إنصاف المرأة المغربية التي ظلت لعقود تعاني من بعض مظاهر التحجر ورفض الاجتهاد، وهو الأمر الذي تحقق في إطار ممارسة جلالة الملك لاختصاصاته الدينية كأمير للمؤمنين وحامي حمى الملة والدين. فإصدارها يعتبر من أبرز التحولات والإصلاحات التي شهدها المجتمع المغربي وأطلقها الملك محمد السادس منذ توليه العرش حيث تضمنت بنودا جديدة تمت المصادقة عليها من طرف البرلمان المغربي عام 2004، من أجل حماية حقوق المرأة والطفل ووضعية الأسرة ككل.
وتتجلى أبرز هذه البنود التي جاءت بها مدونة الأسرة المغربية: رفع سن الزواج إلى 18 عاما بالنسبة للزوجين، ووضع الطلاق تحت مراقبة القضاء، واستفادة المطلقة من الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية، وعدم زواج الرجل بثانية إلا بعد موافقة كتابية من الزوجة الأولى.
كذلك اعتبار الولاية حقا للمرأة الرشيدة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها وعدم إجبار المرأة على الزواج ، وللمرأة الحرية في أن تفوض أبيها أو احد أقاربها حسب رغبتها وبذلك تم استبعاد مفهوم الوصاية في الولاية في الزواج بالنسبة للمرأة ،
وهو يعتبر مكسبا قانونيا كبيرا للمرأة خاصة والأسرة عامة، نظرا لما تتضمنه من قوانين ترمي إلى الحفاظ على مصالحهم.
2- شكل الحضور البارز للمرأة المغربية في الحقل الديني أحد مظاهر تلك العناية الملكية السامية، وهو الأمر الذي تجسد بوضوح في إلقاء العديد من الشخصيات النسائية لدروس في إطار سلسلة الدروس الحسنية الرمضانية، هذا علاوة على فسح المجال للمرأة المغربية لولوج مجال الوعظ والإرشاد والتأطير الديني وعضوية المجالس العلمية الإقليمية والمجلس العلمي الأعلى.
ففي خطاب يوم 30 أبريل 2004، أوصى الملك محمد السادس بضرورة إشراك المرأة المتفقهة في هيكلة هذه المجالس إنصافا لها، وتحقيقا لمبدأ مساواتها مع الرجل، واهتماما بأوضاعها وتمتيعها بكل الحقوق المستحقة، حيث تم ادماجها في المؤسسات الدينية واشراكها فيها بقوة، من خلال تكريس اسهامها في نشر مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وترسيخ قيمه السامية وتعاليمه السمحة، وكل ذلك بهدف مكافحة التطرف وتخفيض درجات الاختلال داخل المجتمع، وتحقيق النهضة الشاملة للأمة. الشيء الذي كرس دور المرأة بوصفها نصف المجتمع، وتوأم الرجل، والركن الأساس للأسرة في التوجيه الديني السليم لمختلف شرائح المجتمع وفئاته، وخاصة في القطاع العريض من النساء.
3- في نفس السياق جاء القرار الملكي السامي الذي تم بموجبه فسح المجال للمرأة المغربية لأول مرة بولوج خطة العدالة، إلى جانب شقيقها الرجل،الذي يأتي في إطار الإصلاح الشامل لمنظومة العدالة ويشكل قيمة مضافة لهذه المهنة وإغناء للرصيد التاريخي والحضاري الذي تتميز به، وخطوة أخرى تعزز حضور المرأة المتميز في كافة المجالات المؤسساتية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية والحقوقية تجسيدا لمبادئ المناصفة وتكافؤ الفرص.
4- بالإضافة إلى هذه المجالات المرتبطة بالحقل الديني، فإن الدستور المغربي الصادر سنة 2011 الذي جاء نتيجة الخطاب الملكي السامي ليوم 9 مارس، ليشكل ثورة في مجال الحقوق والحريات وفي مقدمتها حقوق المرأة المغربية، الذي نص بوضوح على العديد من الحقوق والمبادئ والمعايير ذات الصلة بحقوق المرأة كما تضمنتها العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، كحظر أي شكل من أشكال التمييز بسبب الجنس و ضرورة تمتع المرأة والرجل على قدم المساواة بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و البيئية تعزيزا لمبدأ المناصفة بين الرجل والمرأة و مكافحة جميع أشكال التمييز، الأمر الذي فرض على المشرع المغربي مراجعة مجموعة من النصوص القانونية وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و يتعلق الأمر بمدونة الأسرة، وقانون الشغل، والمسطرة الجناية و كفالة الأطفال المهملين وغيرها من القوانين الاخرى.
5- إن التحول الذي هم المشاركة السياسية للمرأة المغربية، يعد أيضا من مظاهر العناية الملكية السامية بالمرأة المغربية وبحقوقها، حيث عرف حضور المرأة المغربية في المؤسسة التشريعية وكذا في الهيئات السياسية والجماعات الترابية تحول مهم ما كان يتصور حدوثه لولا الإطار القانوني الذي جرى تعديله وتطويره بتوجيهات ملكية سامية بدءا من دستور 2011 الذي شكل منعطفا هاما في مسار تكريس حقوق المرأة المغربية ومشاركتها السياسية وبموجب نصوص قانونية منبثقة عن الوثيقة الدستورية، حيث تم اتخاذ مجموعة من الإجراءات القانونية والمؤسساتية التي من شانها إدماج المرأة في كل مناحي الحياة السياسية وذلك بفتح باب مشاركتها وولوجها الى مؤسسات الدولة وجعلها ممتلكة للقوة والامكانيات والقدرة لتكون عنصرا فاعلا في التغيير وتعزيز قدراتها في المشاركة السياسية بصورة فعالة في كافة نشاطات المنظمات السياسية والمدنية من نقابات وأحزاب ومجتمع مدني وإيصالها الى مواقع اتخاذ القرار في المجتمع والمؤسسات.
6- يشكل المجال الاجتماعي أيضا مساحة مهمة في إطار المجهودات الملكية الجبارة التي توخت صون كرامة المرأة المغربيةّ، وتم إعداد العديد من المقتضيات والبرامج التي استهدفت بشكل مباشر دعم النساء خصوصا اللواتي يعانين من الهشاشة.
فالاهتمام بالنهوض وحماية حقوق النساء شكل أولوية وطنية، بفضل الحرص الشخصي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على النهوض بوضعيتها الإجتماعية وحمايتها من كافة أشكال التمييز والاستغلال، وهو ما أكدته الخطب الملكية منذ تولي جلالته عرش المملكة، وكذا تعليماته السامية المتواصلة للحكومات المتعاقبة لبلورة سياسات وبرامج لتعزيز المساواة بين الجنسين، مع إيلاء أهمية كبرى للنساء في وضعية هشاشة، خاصة بالعالم القروي.
ونظرا لهذا الحيز الضيق فلا يمكن تعداد المبادرات الملكية السامية التي توخت إنصاف المرأة المغربية، فيكفي هذه الاخيرة فخرا أن ما تحقق لها في عهد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ما زال حلما بعيد المنال لدى النساء في العديد من الدول.
حفظ الله مولانا أمير المؤمنين.
* خديجة الزومي / برلمانية رئيسة منظمة المرأة الاستقلالية