لفهم أسباب التخلف العلمي والتعليمي وغياب الإرادة السياسية في صناعة البحث العلمي علينا أن نفهم التالي: لماذا يا ترى نجد الطلبة العرب والمسلمين الذين يذهبون للدراسة في الغرب ويتخصصون في الشعب العلمية يختلفون تماما عن الطلبة الذين يبقون في بلدانهم ويدرسون في نفس الشعب؟ هل الفرق في القدرات العقلية أم في الفرص المتاحة للأولين وغير المتاحة للآخرين؟.

الطلبة الذين يدرسون في الغرب يصبحون بعد بضع سنوات باحثين حقيقيين ويلجون أكبر مراكز البحث ومعاهد العلوم؛ بينما الذين يدرسون الشعب العلمية في بلدانهم ينتهي بهم المطاف في سلك التعليم أو الوظائف المختلفة التي لا علاقة لها بتخصصهم؛ أو البطالة.

تتحول تلك التخصصات العلمية التي درسوها لسنوات إلى مجرد ثقافة عامة أو نظرية. لذلك فإن أسوأ الشعب في التعليم عندنا هي الشعب العلمية لأنها بدون آفاق ولا نتائج سوى ما نعرفه عن الشعار العظيم “ربط التعليم بسوق الشغل”.

وهذا شعار مضلل لأن عددا كبيرا من التخصصات لا يوجد لها سوق؛ والنتيجة هي أننا نتعلم لكي نأكل الخبز ونشرب الماء ونتزوج وننجب وننتظر الموت. فأنت تجد أقل من عشرة في المائة من الحاصلين على شهادات جامعية يشتغلون في المجالات التي تطابق تخصصاتهم؛ وعندما تصبح الأمور هكذا نتحول جميعا إلى مجرد أفواه تريد أن تأكل؛ لا عقول تريد أن تعمل.

في مثل هذا التصور المتخلف يصبح المجتمع جاهزا سلفا غير قابل للتطوير؛ مجتمعا كل شيء في مكانه بشكل ثابت واستاتيكي؛ مجتمعا مصنوعا مسبقا ما عليك سوى الانخراط فيه لكي تعيش فقط. في مثل هذا المجتمع من الطبيعي أن تجد أشخاصا في مواقع لا يستحقونها؛ وأن تعم الفوضى وتظهر الانتهازية؛ لأنه في غياب احترام التخصصات والخبرات يصبح أي شخص صالحا لأي مكان.

إننا لسنا في مجتمعات حقيقية؛ بل في تجمعات.

*الدكتور إدريس الكنبوري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *