قرأت هذا الصباح تقريرا للبي بي سي يقول بأن انتشار الحجاب في شمال افريقيا والشرق الأوسط يعود إلى صعود الإسلام السياسي،وأن تراجعه اليوم يعود إلى تراجع الإسلاموية.

وهذه مشكلة الكثير من الباحثين والإعلاميين في الغرب؛ وقد انتقلت إلينا وأصبحت حقيقة علمية أن نربط كل مظاهر التدين في المجتمعات العربية بالإسلام السياسي.

وتكشف هذه المشكلة جهلا فادحا بحقائق الإسلام وتاريخ المجتمعات المسلمة؛ بل هي في أحيان كثيرة مقصودة لتشويه مظاهر التدين وربطها بنموذج سياسي أو ايديولوجي.

طوال التاريخ الإسلامي كانت مظاهر التدين ومنها الحجاب موجودة ولم يكن الإسلام السياسي قد ولد بعد؛ بل كان الوعي العام متخلفا والمعرفة محدودة وكانت هذه المظاهر موجودة؛ والاسلام السياسي يتطلب مستوى من الوعي لفهم خطابه؛ لذلك كان ينتشر في صفوف الطلبة والطبقة الوسطى المتعلمة لا في الأوساط الشعبية التي كان ينتشر بينها التصوف الشعبي.

ويعتقد هؤلاء جهلا أو قصدا أن الإسلام السياسي في العالم العربي هو الذي يصنع القيم الدينية؛ ولو انتهى لانتهت تلك القيم. بل توجد في المجتمعات العربية مؤسسات وهيئات دينية وعلماء ودعاة؛ وأغلب هذه المؤسسات لا ينتمي إلى الإسلام السياسي بل هي خصم له؛ ولكنها تدافع عن تلك المظاهر الدينية وعن قيم الإسلام. ولو افترضنا أن الإسلام السياسي مس التوابث الدينية لتصدى له العلماء والمؤسسات الدينية؛ فالدين ليس ملكا للاسلاميين.

وقد كتبنا غير مرة بأن تيار التدين الحقيقي اليوم يوجد على هامش الإسلام السياسي؛ وأن الإسلام السياسي لا يضم فقط الملتزمين دينيا بمعنى الكلمة بل يضم أيضا أصحاب الأغراض السياسية.

إنها مغالطة كبرى يحتاج أصحابها إلى القراءة العلمية والموضوعية للمجتمعات الإسلامية بعيدا عن العمى الايديولوجي؛ لكن للأسف الشديد نجد بعض أدعياء البحث السوسيولوجي العرب يكرسون هذه المغالطة؛ وهذا دليل على عدم حيادية البحث العلمي وتبعيته في المناهج والمخرجات.

الدكتور إدريس الكنبوري متخصص في الاسلام السياسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *