أما الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاحد فهي أن أزمة ارتفاع أسعار المحروقات يعيشها العالم بأسره، بل هناك دول تواجه أزمة اختفاء هذه المواد من محطات التوزيع الوطنية، في ظل تزايد الطلب العالمي على المواد النفطية، خاصة في ظل إقبال الدول على الانتعاش الاقتصادي وتحديات الأزمة الأوكرانية الروسية، يرفع بشكل كبير من أسعار المحروقات في السوق الدولية، خاصة النفط المكرر.

*أشرف الحاج

منذ مطلع السنة الماضية بدأت أسعار البترول في العالم تعرف ارتفاعا مطردا، بعدما كانت أسعارها خلال الجائحة وقبلها متوسطة، لتصل أوجها بداية من السنة الجارية متجاوزة عتبة الـ 120 دولارا، في أقوى الارتفاعات، منذ سنة 2014.

ومن دون شك، فهذه الارتفاعات التي عرفتها أسعار المحروقات على المستوى العالمي، والتي انعكست على أسعارها محليا، أثرت على فئات عريضة من المواطنين المغاربة، ممن تأثروا قبلها بتوالي الأزمات من فترة الحجر الصحي والركود الاقتصادي، مرورا بفترة ما بعد جائحة كوفيد 19 وتزايد الطلب العالمي، وصولا إلى تبعات الأزمة الأوكرانية الروسية، وما رافقها من ارتفاع لمستويات التضخم وقيمة الدولار، وكل هذا أثر على حياة المغاربة، خاصة على مستوى القدرة الشرائية، في مقابل تحركات حكومية مختلفة لمواكبة التطورات الجارية وتدبير الأزمات متعددة الأبعاد التي فرضتها الظرفية الدولية.

غير أن الملاحظ في الآونة الأخيرة ظهور مطالب شعبية بخفض أثمنة المحروقات، في الوقت الذي ذهب فيه البعض إلى حد المطالبة برحيل رئيس الحكومة بخلاف الأعراف والممارسات الديمقراطية.

 لكن وبملاحظة في بعض المنشورات والمعطيات المعتمدة من قبل المتبنين لهذه الحملة، يتبين أنه ينبغي التعامل بحذر مع المعلومات المروجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتمحيصها، فليس كل ما ينشر صحيح ومضبوط، خاصة إذا كانت هناك جهات تحاول الركوب على الأحداث وتوجيهها لخدمة مآربها، وتصفية حساباتها الخاصة مع الأشخاص، وليس الدفاع عن مصالح المواطنين.

وبلغة الأرقام التي لا تكذب، يمكن أن نكتشف مجموعة من المعطيات المغلوطة التي تتضمنها المنشورات التي يروجها الواقفون وراء الهاشتاغات المذكورة، وخاصة تلك المتعلقة بسعر البترول في 2019، حيث تشير إلى أنه كان يبلغ حينها 97 دولار للبرميل وكان ثمن الغازوال 8,7 درهم، بينما بلغ ثمن البرميل 96 دولار في يوليوز 2022، وثمن البيع في محطات الوقود المغربية يبلغ 17,98.

غير أنه، بالرجوع إلى الأرقام المتعلقة بثمن البرميل في 2019، يتبين أنه لم يصل إلى المستويات الحالية في السنوات الأخيرة، بل وصل أعلى سعر للبيع في تلك السنة إلى 75,60 دولار للبرميل.

ومن خلال ملاحظة الحملات التي يخوضها البعض فيما يهم المحروقات، يتبين بجلاء الاستهداف الكبير لشخص رئيس الحكومة، على اعتبار أنه فاعل سابق في قطاع المحروقات، فرغم استقالته من كل الأنشطة ذات الصلة بعد تعيينه رئيسا للحكومة تجنبا لتضارب المصالح، إلا أن الواقفين وراء هذه الحملات يصرون على تحميله مسؤولية كل ما يجري في سوق المحروقات، دون الحديث عن باقي الفاعلين في المجال. مما يوحي بأن الحملات التي تثار من حين لآخر قد لا تكون بريئة كليا، وهناك من يحاول الركوب على الموجة واستغلال الظروف العامة التي تعيشها بلادنا والعالم من أجل تصفية حسابات شخصية.

والواقع أن المعارضة الحقيقية تقوم على تقديم معطيات موثوقة وصحيحة، بدل التضليل والكذب وترويج الإشاعات لضرب شخصية عمومية مالك لشركة وطنية معروفة.

أما الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاحد فهي أن أزمة ارتفاع أسعار المحروقات يعيشها العالم بأسره، بل هناك دول تواجه أزمة اختفاء هذه المواد من محطات التوزيع الوطنية، في ظل تزايد الطلب العالمي على المواد النفطية، خاصة في ظل إقبال الدول على الانتعاش الاقتصادي وتحديات الأزمة الأوكرانية الروسية، يرفع بشكل كبير من أسعار المحروقات في السوق الدولية، خاصة النفط المكرر.

فسوق المحروقات المغربية مرتبط بتقلبات الأسعار الدولية منذ تحريرها سنة 2015 وخضوعها للمنافسة الحرة، وهو ما يجعل المقارنة بين ثمن برميل النفط الخام وثمن المحروقات في محطات الوقود لا تستقيم، على اعتبار أن المغرب يقتني حاجياته من النفط المكرر أي المنتوج النهائي، وليس المادة النفطية الخام.

ولذلك فمنذ التحرير الكامل لسوق المحروقات سنة 2015، أصبحت الأسعار خاضعة للأسواق الدولية والمنافسة الحرة، ولا يمكن للدولة أن تتدخل في الأسعار من الناحية القانونية، لكن يمكنها سن إجراءات مؤقتة واستثنائية في حالة وجود ضرر على المواطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *