عبد الرزاق بوتمزار

 

ح. 39

مِكسيكُو 86

في تلك الثمانينيات البعيدة، كان كلّ شيء جميلاً؛ رياضياً على الأقلّ! بعد ملحمة عْويطة وْنَوالْ، جاء دور منتخب الكرة ليرسم لوحاتٍ رائعةً على ملاعب المكسيك. لم يفصل بين الحدثين الرّياضيين تاريخٌ طويل ولا جغرافيا بعيدة!

كانت سنتان من الزّمن وبعض الكيلومترات جنوباً كلّ ما فصل بين إنجازات البطلين على مضامير لوس أنجلس (عويطة ونوال) وبين المُبارَيات التاريخية التي خاضها المنتخب المغربي لكرة القدم على ملاعب “مكسيكو” و”ڭـوادا لاخارا”.

ابتعدْ أيها الزّمن الرّديء؛ دَعْنا نسترجعُ لحظات تألق مغربيّ بامتياز. كباراً وصغاراً، تابَع عشّاق الكرة تلك المُبارَيات الثلاث التي أهّلتْ المنتخب المغربي إلى الدور الثاني من المُنافَسات؛ ليُدوّن “الزّاكي ورْباعْتو” أسماءَهم في سِجلات التّاريخ كأول فريق كرة قدم عربيّ وإفريقيّ يتأهّل إلى الدور الثاني من بطولة كأس العالم.

الآن، وبعد ثلاثة عقود من الزّمن، لا يزال المغاربة ممّن تابعوا الإنجازَيْن المُتميزَين يشعرون بـ”نُوستالجيا” تشُدّهم إلى تلك اللحظات الرّائعة، مع غيرِ قليلٍ من الأسى عندما يتبادر إلى أذهانهم واقعُ الرّياضة الوطنية الرّاهنُ..

كانت أياماً من الفرجة الكروية الحقيقية؛ أيامَ كان التّيمومي يداعب الكرة كأنها قطعة منه لا تَبْرَح أبعدَ من قدمَيْه السّاحرتين. أيامَ كان بودربالة ينطلق مخترقاً الصّفوفَ بمُرونة مُحيِّرة، وقد تلقى تمريرةً مُحكَمة من “لْمعلّمْ” الظلمي. أيامَ كان البيّاز “جُنديا” بسروال قصير وحذاء رياضيّ! يقف في الملعب رافعاً أمام المُهاجم شعارَه الأوحدَ: إذا مرّت الكرة لن تمُرّ أنت، وإذا مرَرْتَ أنت تخلّفتْ عنك الكرة بالضّرورة!

وأمام وقفة الزّاكي كانت كلّ شطارة المُهاجمين تنقلب إلى اختبارات قاسية لمهارات التهديف، التي قلّما كانوا ينجحون فيها. كان بادّو يبدو كمن يزرع رُعباً نفسياً خفيا في أدمغة الهدّافين، ليحوِّلهم إلى مُجرَّد مُبتدئين تُضيع كراتُهم طريقَها إلى شباك يحرسها أسدٌ أطلسيّ أصيل.

منذ ذلك المونديال البعيد، ارتبطتْ عبارة “الأسُود” بعناصر تلك التّشكيلة، التي أضفى عليها المُروّض المهدي فاريا لمسةً من سحر البرازيل الكُرويّ لتستحقَّ لقب “أُسود الأطلس”؛ أُسُودأضحتْ، في زمننا الرّديء تتعرّض لأقسى الإهانات على أعتاب مُجرَّد التأهّل إلى كأس إفريقية، فبالأحرى تأهّلٍ إلى مونديال أو غيره من المُلتقيات الدّولية والتألق فيها!؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *