بعد مرور أسبوع على انتشاره على مواقع التواصل الاجتماعي، يواصل شريط الفيديو الذي بات يعرف بـ”فيديو الفلقة” إثارة الجدل في المغرب، وذلك بعد أن فتحت مقاطعه الصادمة والمتضمنة لمشاهد تعنيف إمام مسجد لأطفال يحفظهم القرآن سجالا بين المغاربة.

وكان الشريط الذي تم تداوله على نطاق واسع في المغرب، قد أظهر أطفالا أثناء حصة لحفظ القرآن الكريم يتعرضون إلى عقاب وضرب مبرح من قبل شخصين تبين في ما بعد أنهما إمام مسجد ومساعده، حيث يتكفل الأخير بتثبيت الأطفال تباعا وتوجيه أقدامهم الصغيرة نحو الإمام الذي ينهال عليهم بالضرب باستخدام عصا، وهو ما يطلق عليه في المغرب بـ”الفلقة”.

وفي الوقت الذي طالب الأهالي الذين تعرض أبنائهم للضرب بإطلاق سراح “الفقيه” (الإمام)، استنكر طيف من المغاربة ما أقدم عليه هذا الأخير، واصفين ذلك بالفعل “الشنيع”، ومشددين على ضرورة محاسبته وعدم التسامح مستقبلا مع أي فعل يندرج في نطاق العنف.

وفور انتشار الفيديو الذي كانت مدته دقيقة واحدة و56 ثانية ويوثق للحظة الاعتداء على الأطفال، سارعت مصالح الأمن بمنطقة باب تازة ضواحي مدينة شفشاون (شمال المغرب) باعتقال إمام المسجد وإيداعه السجن المحلي رفقة مساعده في انتظار انطلاق أولى جلسات المحاكمة.

بين رافض ومؤيد

ومباشرة بعد اعتقال إمام المسجد الذي ظهر وهو يعنف قاصرين في مشهد وصف بـ”اللانساني”، خرج أولياء أمور الأطفال بتصريحات تبرر الفعل وتطالب بالإفراج عن إمام المسجد.

واعتبر عدد منهم في مقابلات مع الصحافة المحلية، أن ضرب الأطفال أثناء حفظ القرآن أو ما يطلق عليه بـ”الفلقة” أو “التحملة” يعتبر من الوسائل القديمة والتقليدية لتعليم الطلاب داخل الكتاب القرآني.

يقول بوجمعة البكمي، نائب رئيس الاتحاد الوطني لجمعيات تنمية التعليم الأولي، إن التطبيع مع العنف في بعض الأوساط عبر الاعتقاد أن ضرب الأطفال والتعامل معهم بحزم يعتبر من أنجح الطرق للتعليم، يساهم في انتشار مثل هذه الظواهر السلبية.

ويضيف البكمي في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، أن عددا من الدراسات الأكاديمية قد أثبتت أن أسلوب الترهيب في التعامل مع الأطفال داخل الوسط المدرسي، يعتبر من بين أسباب النفور من عميلة التعلم، ويزيد من نسب الهدر المدرسي.

وتابع الخبير في مجال التعليم الأولي، أن طرق التعليم الحديثة تقوم على الاحترام المتبادل بين المدرس والطالب، مع الالتزام بجميع الضوابط التي من شأنها أن تمنح للمتعلم خاصة في سن مبكر شعورا بالأمان والحماية داخل أسوار المدرسة.

ويدعو البكمي، إلى ضرورة الانكباب على تطوير أساليب عمل المدارس العتيقة وتأهيل الموارد البشرية التي تشتغل بها عبر التدريب الأساسي والمستمر، من أجل مواكبة العصر.

سلوك مرفوض

وتباينت آراء وردود الأفعال في أوساط رواد مواقع التواصل الاجتماعي بمجرد انتشار مقطع فيديو “الفلقة”، بين رافض لاستخدام كل أشكال العنف ضد القاصرين، وبين من اعتبر أن معاقبة الأطفال أثناء الفصل الدراسي يدخل في صميم التربية على الالتزام والانضباط.

واستنادا إلى ما رافق الفيديو من ردود أفعال، عبر محسن بنزاكور، الدكتور المتخصص في علم النفس الاجتماعي، عن أسفه إزاء التأييد المعلن من قبل شريحة من المجتمع لما قام به الفقيه من تعنيف تجاه الأطفال، من خلال إبداء مواقف مساندة ومشجعة على استخدامه العقاب الجسدي أثناء تدريس الأطفال.

ويعتبر بنزاكور في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، أن التشبع بمنطق العنف استنادا إلى مبررات لا أساس لها في الشرع أو الدين وتتعارض مع مبادئ المنطق، قد يؤدي إلى إنتاج شخصية عنيفة قد تشكل تهديدا وخطرا على نفسها وعلى المجتمع.

ويشدد المتحدث، على أن تفاعل السلطات مع الحدث وتوقيف “الفقيه” ومحاكمته يعتبر خطوة إيجابية في طريق القطع مع مثل هذه الممارسات الشنيعة التي تشكل تهديدا للاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال.

خطورة التربية بالعنف

يقول بنزاكور إن استعمال العنف في تربية الأطفال سواء في المدرسة أو البيت، ينطوي على آثار نفسية وخيمة في بناء شخصيتهم، حيث يزرع مشاعر الخوف بداخلهم ويجعلهم أكثر ميلا إلى العزلة عن محيطهم الخارجي.

 كما يمكن للتربية بالعنف، حسب الخبير النفسي، أن تقود الأطفال إلى إعادة إنتاج ما يتعرضون له بعد أن يعتقدوا أن العنف هو الوسيلة الوحيدة والطبيعية للتواصل والتعامل مع الغير أو لفض النزاعات أو للتعبير عن الذات.

ويضيف الباحث الاجتماعي، أن نتائج وعواقب العنف لا تتغير رغم اختلاف أشكاله بين ما هو جسدي ولفظي من خلال استعمال الكلام النابي في الحياة اليومية أو أيضا العنف الاجتماعي.

ويرى بنزاكور، أنه بات من الضروري اليوم إدراج مادة خاصة بكيفية التعامل مع الذات ومع الآخر ضمن المناهج الدراسية، مع تكثيف حملات التوعية بمخاطر استعمال العنف، والتحسيس بأهمية الابتعاد عن مثل هذه السلوكيات من أجل بناء شخصية إنسان متوازن وتأهيله ليكون فردا صالحا في المجتمع.

أسماء حسن: سكاي نيوز عربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *