يسير المغرب بخطى ثابتة نحو جعل “الاقتصاد الأزرق” إحدى الركائز الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة في البلاد، وذلك بالنظر للإمكانات والمؤهلات الهامة التي تتوفر عليها المملكة في هذا المجال.
ومن أجل دعم جهود الرباط في سعيها لتحقيق هذا الهدف ودعم إطلاق الخطط الخاصة بهذا القطاع، وافق البنك الدولي مؤخرا على منح الممكلة قرضا تبلغ قيمته 350 مليون دولار.
وأكد البنك الدولي أن من بين أهداف هذا القرض، تحسين التدبير المندمج للموارد الطبيعية، وتدعيم بعض القطاعات من أجل النهوض باقتصاد أزرق قادر على الصمود في وجه التغيرات المناخية في المناطق المستهدفة.
وأضافت المؤسسة المالية أن هذا القرض يسعى أيضا إلى التشجيع على إحداث مناصب الشغل، وتحقيق نمو اقتصادي، مع تحسين استدامة الموارد الطبيعية وقدرتها على الصمود، والأمن الغذائي.
ويعرف المختصون الاقتصاد الأزرق بالإدارة الجيدة للموارد البحرية واستخدامها بنحو يكفل حماية النظام البيئي للبحار والمحيطات، ويشمل كل الأنشطة المرتبطة بالبحر من قبيل قطاع الصيد والسياحة، وتربية الأحياء المائية، والأنشطة المينائية والطاقة، وتحلية مياه البحر والتكنولوجيات الحيوية البحرية، وغيرها من الأنشطة الأخرى.
مؤهلات واعدة
ويحظى المغرب بفضل واجهته البحرية على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، والممتدتين على مسافة 3500 كلم، بفرص مهمة لتنمية الاقتصاد الأزرق.
يقول الخبير الاقتصادي، عمر الكتاني، إن المغرب يملك مؤهلات مهمة في مجال الاقتصاد الأزرق، حيث يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي، وواجهتين بحريتين، وثروة سمكية مهمة خاصة من الأسماك السطحية ومنها السردين الذي يرتفع الطلب عليها لدى جميع الاوساط الاجتماعية.
ويضيف الكتاني، لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن المملكة تتمتع أيضا بموارد طاقية، حيث بدأت تظهر بوادر اختزان بحارها ثروات طاقية مهمة خاصة بعد اكتشاف كميات من الغاز الطبيعي، الذي من المرتقب أن يوجه لإنتاج الكهرباء.
وفي السياق نفسه، يشير الخبير الاقتصادي إلى مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا عبر خطوط تيار الجهد العالي المستمر تحت سطح البحر انطلاقا من جنوب المملكة ووصولا إلى بريطانيا، ليمد أكثر من 7 ملايين منزل بكهرباء نظيفة ومنخفضة التكلفة.
من جانب آخر، يرى الكتاني، أن إنشاء موانئ بجنوب المملكة سيساهم في إنعاش الأنشطة المرتبطة بالاقتصاد الأخضر وسيكون له انعكاس على الجانب التجاري من خلال ربط إفريقيا بأوروبا، وآخر على الجانب السياحي من خلال تنظيم رحلات سياحية عبر بواخر تربط بين البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، مما سيخلق، حسبه، نوعا من الرواج الاقتصادي في المناطق التي تمر عبرها هذه الرحلات، ويساهم في تحقيق التنمية في المناطق الساحلية.
دعم أنشطة الصيد البحري
يشكل الصيد البحري إحدى ركائز الاقتصاد الأزرق بالمغرب، حيث تتوفر المملكة على ثروة سمكية مهمة ترشحها لتبوء مراكز ريادية في هذا المجال حسب الخبراء. وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن يرتفع إنتاج المغرب من الأسماك بـ18.2 في المئة في أفق 2030، ليصل إلى 1.7 مليون طن سنويا.
وحسب المنظمة العالمية، فإن المغرب يحتل المرتبة 13 عالميا والأولى عربيا في إنتاج السمك بإنتاج إجمالي سنوي بلغ 1.43 مليون طن، فيما أعلنت وزارة الفلاحة المغربية أن الإنتاج الوطني من السمك، قد بلغ 1.4 مليون طن سنة 2021، بارتفاع وصل إلى 35 في المئة، محققا رقم معاملات قياسيا بقيمة 15 مليار درهم.
وتتشكل الثروات البحرية في المغرب من أكثر من 500 نوع، ويتم تصدير حوالي 85 بالمئة من الأسماك لنحو 100 دولة عبر العالم، وفق معطيات رسمية.
ويعتقد إبراهيم البطاح، نائب رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الجنوبية، أن بوسع الاقتصاد الأزرق أن يصبح محركا حقيقيا للتنمية السوسيو-اقتصادية عبر تشجيع الاستثمار وتقديم تحفيزات ضريبية وحوافز إدارية للمستثمرين، مبرزا أن من شأن ذلك خلق مناصب شغل جديدة، وتسريع وثيرة تنمية المناطق الساحلية في مختلف جهات المملكة.
ويشدد الفاعل في قطاع الصيد البحري لـ”سكاي نيوز عربية”، على ضرورة استثمار الفرص التي يتيحها الاقتصاد الأزرق، ومواكبته بمخطط يتضمن جملة من الإجراءات التي تروم تطوير قطاع الصيد البحري، مشيرا في هذا السياق إلى أهمية تثمين المنتجات السمكية الموجهة نحو التصدير وعلى رأسها منتوج الأخطبوط من أجل منحه قيمة تسويقية أكبر، وتطوير آليات التسويق من أجل مواكبة التطور الذي يشهده القطاع.
إلى جانب ذاك، يلفت المتحدث إلى ما يتيحه مجال تربية الأحياء المائية من فرص سواء في توفير مصدر غذاء أو في خلق مناصب شغل في المناطق الساحلية، في الوقت الذي لا يحظى فيه هذا المجال، بالرغم من المؤهلات الكبيرة التي تتوفر عليها المملكة والآفاق الواعدة التي يشتمل عليها، باهتمام واسع في المغرب، حيث لا تتعدى طاقته الإنتاجية 400 طن سنويا.