راهن المغرب على مقاربة تُوصف بـ”الشاملة” لأجل محاربة الإرهاب، في مسعى إلى اجتثاث الخطر من جذوره، حتى بات أئمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء يتوافدون على المملكة لأجل الدراسة والاستفادة من “نموذج الاعتدال”.

وأكد وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، خلال الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد داعش في مراكش، قوة النهج المغربي في محاربة الإرهاب.

وأوضح أن البلاد، ومنذ الهجمات الإرهابية بمدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003، وضعت، “استراتيجية فعالة، متعددة الأبعاد وشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف”.

وإلى جانب السياسة الأمنية التي مكنت من تفكيك أكثر من 210 خلية إرهابية منذ سنة 2002، يتبع المغرب خطة ترتكز على معالجة الظاهرة بشكل استباقي، عن طريق تأهيل الأئمة والدفاع عن قيم السلام والاعتدال التي يدعو إليها الإسلام.

أصول النموذج المغربي               

في هذا الصدد، قال أحمد نور الدين، الباحث في القضايا الدولية والمتخصص في شؤون شمال إفريقيا، إن قوة النموذج المغربي في التدين تكمن في عراقته، فهو ليس وليد اللحظة وليس ردة فعل تجاه تغول ظاهرة التطرف والتكفير وانتشار العنف، “فالتدين المغربي نتاج قرون من التفاعل بين ثلاثة مكونات أساسية”.

 وبحسب الخبير فإن المكون الأول “هو العقيدة السنية الأشعرية التي بوأت العقل المكانة السامية التي خصه بها القرآن الكريم، عكس التيارات التكفيرية التي تمعن في تحقير العقل وتمجيد النقل، ومن هنا كان المدخل لإخضاع الأتباع لأيديولوجية المشايخ وإرادتهم المطلقة بذريعة أن الدين اتباع، دون إزعاج من الأسئلة العقلانية لماذا وكيف وما السبب؟”.

واسترسل المتحدث ضمن تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” قائلا “أما المكون الثاني فهو المذهب المالكي الذي أعطى مكانة مهمة في مصادر الفقه لعرف أهل البلد، وهو ما أفسح مجالا واسعا للاجتهاد في الأحكام والنوازل على أساس واقعي يأخذ بعين الاعتبار تغير الظروف والملابسات والحيثيات من بلد إلى بلد ومن عصر إلى آخر، وبذلك تم القطع مع القوالب الجاهزة والنمطية في الأحكام.”

وأضاف أحمد نور الدين “التصوف السني على طريقة أبي القاسم الجنيد، الذي هذب الأخلاق واهتم بجهاد النفس وتربيتها الروحية والإيمانية وزرع قيم التجرد والإخلاص والمحبة والرحمة لكل الناس، وهو ما شكل سداً منيعاً أمام تيارات العنف اللفظي والسلوكي.

إمارة المؤمنين صمام الأمان

وخلص الباحث في معرض تحليله إلى أن هذا العقد الفريد تُوج بإمارة المؤمنين التي شكلت درعا، دون استغلال الدين لأهداف غير شرعية أو خدمة لأجندات باطنية أو خارجية، عبر 12 قرنا من تواجد الدولة المركزية في المغرب التي اجتمعت فيها إمارة الدين مع إمارة الدولة في شخص السلطان أو الملك.

وتابع: “هذه هي وصفة الوسطية والاعتدال التي يقدمها المغرب بكل تواضع لإفريقيا وأوروبا كعلاج لظاهرة الإرهاب والتطرف. معززا بمؤسسات رسمية مثل جامعة القرويين بكل فروعها، ومؤسسة محمد السادس لعلماء إفريقيا، أو رابطة العلماء، أو معهد تكوين الأئمة والوعاظ، وغيرها. أو من خلال المؤسسات غير الرسمية مثل الطرق الصوفية المغربية التي لديها أتباع يفوق عددهم نصف مليار مسلم عبر القارات الخمس.”

وتجدر الإشارة إلى أن الدستور المغربي ينص في الفصل 41 على أن “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. يرأس الملك، أمير المؤمنين، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة”.

المغرب يتقاسم تجربته

من جانبه، قال منتصر حمادة، منسق تقرير الحالة الدينية الصادر عن مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث بالرباط، إن النموذج الديني المغربي نتيجة عوامل مركبة، تتداخل فيها عوامل تاريخية واجتماعية وحضارية، أفضت إلى أن المغرب أصبح يتوصل بطلبات من عدة دول عربية وإفريقية وحتى أوروبية، إما من أجل الاستفادة من تجربته في تدبير الشأن الديني، أو النهل من تجربته في التصدي لظاهرة التطرف العنيف.

وتابع الباحث في حديث لـ”سكاي نيوز عربية”، “هذا النموذج قائم على عدة محددات، وفي مقدمتها ثلاثية العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والتصوف، وتدور كلها في فلك مؤسسة إمارة المؤمنين، الساهرة على حماية الدين من مختلف الإيديولوجيات الدينية والمادية”.

وأردف حمادة أنه “ليس صدفة أن هذا النموذج يتميز بتنظيم المغرب منذ عقود للدروس الحسنية، في القصر الملكي وحضور ملك البلاد لأنه أمير المؤمنين، وهذه دروس فريدة في العالم الإسلامي وليس في المنطقة فحسب، وليس صدفة أيضا أنه في صيف 2019، تخرج أول فوج لأئمة فرنسيين من معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، في سابقة من نوعها، وهو المعهد الذي يدرس فيه أئمة ومرشدون ومرشدات من عدة دول إفريقيا”.

وأشار المتحدث كذلك، إلى أن المغرب أسس مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، والحاضرة في 34 دولة إفريقية، ضمن مبادرات أخرى، جعلت هذا النموذج محط إقبال كبير من بعض صناع القرار في المنطقة والعالم، وذلك لعدة اعتبارات، منها البحث عن مخارج نظرية وعملية لمواجهة معضلة التطرف العنيف، ومنها أيضا، تقديم نموذج إسلامي معاصر منفتح ووسطي، يقدم صورة إيجابية في مواجهة الصور النمطية السلبية التي تروج ضد الإسلام والمسلمين، وخاصة خلال العقود الأخيرة”.

واستضاف المغرب في الحادي عشر من مايو الجاري، “الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم داعش الذي يضم 84 دولة ومنظمة شريكة تنتمي لعدد من دول العالم وذلك بمشاركة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

وأكد بيان لوزارة الخارجية المغربية أن الاجتماع الذي انعقد في مدينة مراكش يأتي كجزء من السياسة الاستباقية في محاربة الإرهاب التي تنتهجها.

توفيق الناصري/سكاي نيوز عربية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *