مواكبة: le12.ma

 

يعتبر توفير بيئة عمل سليمة ضرورة ملحة للنهوض بالسلامة والصحة في أماكن العمل، خاصة في ظل استمرار تفشي جائحة كوفيد-19 التي أظهرت أكثر من أي وقت مضى مدى الحاجة لمنظومة متكاملة وفعالة تضمن، في الآن نفسه، حماية صحة الأجراء والحفاظ على مردودية وتنافسية المقاولات.

ومن نافلة القول ان إرساء هذه المنظومة يتطلب انخراط جميع الفاعلين والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين والمؤسسات المتخصصة، بغية تعزيز الوعي بأهمية طب الشغل، وتطوير التشريعات لتتماشى مع التطورات التي يعرفها المغرب في كل المجالات الاقتصادية والاجتماعية..، وكذا مع التحولات السريعة التي يشهدها عالم المقاولة على الصعيدين الوطني والدولي.

ولعل ما يعكس الطابع الاستعجالي لهذا الورش الهام، هو كون الجميع معرض للعديد من المخاطر في أماكن العمل، سواء أكانت حوادث شغل أو أمراضا مهنية. فبحسب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يسجل المغرب 2000 وفاة سنويا ترتبط بحوادث الشغل، وهو ما يعد من بين أعلى الأرقام المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وأوضح المجلس، الذي قدم العام الماضي رأيه حول موضوع “الصحة والسلامة في العمل”، أنه رغم كل ما حققه المغرب من إنجازات مهمة في هذا المجال، إلا أن هناك العديد من أوجه القصور المتمثلة أساسا في محدودية تفعيل قواعد الصحة والسلامة المهنية، وقلة الكفاءات المتخصصة، خاصة في تخصص طب الشغل، إذ يظل عدد أطباء الشغل بالمغرب محدودا جدا لا يتجاوز 1400 طبيب، وكذلك الأمر بالنسبة للكفاءات من المهندسين والتقنيين المتخصصين في السلامة المهنية ودراسة المخاطر.

وحول واقع منظومة الصحة والسلامة في أماكن العمل بالمغرب، أكد الطبيب المتخصص في الإدارة الصحية، والكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة بالمغرب، محمد اعريوة، أن جائحة كورونا أظهرت النواقص التي تعتري المنظومة الصحية، وكذا أوجه القصور الخاصة بطب الشغل في ما يتعلق بالتشخيص والعناية الطبية داخل الوحدات الإنتاجية والمقاولات المتوسطة والصغرى، في حين كانت غالبية المقاولات الكبرى منظمة ومتوفرة على مسلك وعيادة تمريضية ساهمت بشكل كبير في سرعة تشخيص المصابين بالفيروس.

وأبرز في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للصحة والسلامة بأماكن العمل، أن الوزارة الوصية والسلطات العمومية نبهت إلى الحالة التي كانت عليها بعض الوحدات الإنتاجية في ما يخص الرعاية الصحية والسلامة البدنية للعاملين بالعديد من القطاعات، وتمت الدعوة إلى “تعبئة وإشراك جميع المتدخلين من مشغلين وشركاء اجتماعيين من أجل التطبيق الصارم للقوانين الخاصة بهذا المجال، خاصة وأننا مقبلون على مشروع التغطية الاجتماعية الذي من المرتقب أن تكون له آثار إيجابية على جميع العاملين”.

وبخصوص طب الشغل الذي يعتبر مكونا رئيسيا لمنظومة الصحة والسلامة في العمل، قال محمد اعريوة إن هذا التخصص الحيوي يعاني من إكراهات متعددة تحول دون مساهمته بشكل فعال في تطوير المعايير والممارسات المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية بالمغرب، مشددا على أن “هذا الواقع لا يرقى لطموحات الدولة الاجتماعية، ولا لأهداف النهوض بالاقتصاد الوطني، ويتطلب إيلاء الحكومة الحالية لاهتمام كبير به، لأن طب الشغل يساهم في حماية العامل ويحافظ على صحته، مما يساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية، وتعزيز أداء المقاولات والوحدات الإنتاجية”.

وأوضح بهذا الخصوص، أن طب الشغل “اختصاص مطلوب جدا من طرف العديد من الأطباء العامين وحتى المختصين، لكن مع الأسف هناك نقص حاد في التكوين”، داعيا إلى فتح باب التكوين في هذا الاختصاص بمختلف كليات الطب، مما سيساهم في تخرج عدد كبير من أطباء الشغل. وعلاوة على الأطباء، يضيف الطبيب المتخصص في الإدارة الصحية، يجب التركيز أيضا على تكوين الممرضين في هذا الاختصاص.

وأشار إلى أنه يتعين على السلطات المحلية ومديرية التشغيل حث المشغلين على إبرام عقدة مع أطباء متخصصين في طب الشغل بالوحدات الإنتاجية والمقاولات من أجل ضمان الرعاية الصحية للعمال وإرساء معايير الوقاية بمقرات العمل.

وبخصوص العراقيل التي تحول دون جعل أماكن العمل فضاءات آمنة تسهم في دعم قدرات العاملين وتعزيز أداء المقاولات، قال الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة بالمغرب، إنها تتمثل بالأساس في ضعف النصوص القانونية، وكذا العجز المسجل على مستوى الإمكانيات الموجهة للمؤسسات الرقابية، وعلى رأسها مندوبيات التشغيل ووزارة الصحة، وغياب ثقافة طب الشغل بين المشغلين من أجل الارتقاء بالصحة والسلامة بأماكن العمل والإنتاج. كما سجل “غياب إرادة قوية للتعاطي مع مشكل تردي ظروف الاشتغال بأماكن العمل والورشات، وهو الواقع الصعب الذي لا يمكنه المساهمة بأي حال من الأحوال في تعزيز القدرات أو الإبداع، أو تحقيق الجودة في الإنتاج، داعيا إلى وضع كافة الإمكانيات المطلوبة رهن إشارة المؤسسات الرقابية للسهر على تطبيق بنود التشريعات ذات الصلة بهذا المجال.

وخلص محمد اعريوة إلى الدعوة إلى تنظيم حملات تحسيسية للتوعية بأهمية صحة العاملين بالمقاولات والوحدات الإنتاجية، ودورهم في المساهمة في تعزيز الإنتاجية والجودة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *