تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.
في حلقة اليوم يأخذكم هذا البروفايل في رحلة إكتشاف الحياة الأخرى لأمبارك عموري.. اليتيم الذي تحول إلى فنان وسفير
* سامية أتزنيت
كلما حضرت ذكرى “عموري امبارك” في بال الأمازيغي، إلا واستحضر مسارا فنيا حافلا، حول الفنان الراحل إلى “مدرسة فريدة” للموسيقى الأمازيغية. ولم تمنعه قساوة الحياة، التي ذاق مرارتها في سن مبكرة، من أن يكون إنسانا بكل مافي الكلمة من معنى، حتى إنه لقب بفنان “الإنسانية” وسفيرها. صفة ظلت لصيقة به حتى وافته المنية، في الثالث عشر من فبراير عام 2015.
جدران الخيرية الباردة
في قرية بمنطقة “إركيتن” بالأطلس الكبير شمال إقليم تارودانت، كان مسقط رأسه سنة 1951. شاءت الأقدار الإلهية أن يجد مبارك عموري نفسه، بعد وفاة والديه، وحيدا في هذه الحياة، بين جدران باردة لمؤسسة خيرية، عاش وترعرع فيها، حتى وصل إلى السن القانونية للرحيل.
وبعد معاناة تحمل خلالها الصعاب، بدأ عموري مساره الفني رفقة شباب، أطلقوا على أنفسهم مجموعة “سوس فايف”. كانت فرقة مكونة من خمسة أفراد، تؤدي كشكولا منوعا من الأغاني الأمازيغية، وأغان أخرى باللغتين الفرنسية والإنجليزية.
تحول بعدها اهتمام عموري إلى العمل الجمعوي، فانخرط في الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، التي كانت وراء تأسيس مجموعة “ياه”.
وهي نفس المجموعة التي ستحمل فيما بعد اسم “أوسمان”، وبالضبط سنة 1975، السنة الفاصلة والمحورية في مسار عموري الفني.
اشتهرت الفرقة بكونها أول مجموعة غنائية أمازيغية في المغرب، واكتسبت شهرة إلى جانب مجموعات الجيل الذهبي، بتلونات غنائية متنوعة من قبيل “ناس الغيوان”، “جيل جيلالة” و”لمشاهب”.
“برق” وبريق عالمي
لاقت مجموعة “أوسمان”، والتي تعني البرق باللغة الأمازيغية، نجاحا قل نظيره داخل المغرب وخارجه (تحديدا في الديار الفرنسية) إبان سبعينيات القرن الماضي.
ضمت مجموعة “أوسمان” كلا من عموري مبارك، وسعيد بيجعاض، وبلعيد العكاف، واليزيد قرفي، وسعيد بوتروفين، وطارق المعروفي، وإبراهيم أخياط، والصافي مومن علي، كمؤطرين، الذين كانوا من خيرة طلبة المعهد الموسيقي بالرباط، وكانوا ينتمون إلى قبائل سوسية مختلفة.
غنت الفرقة ـ التي شبهها البعض بفرقة الروك الغنائية البريطانية “البيتلز”ـ في مسرح “الأولمبيا” الشهير بباريس، ووصفت جل أغانيها بـ”الملتزمة”. وتتقاطع فرقة “أوسمان” مع فرقة “البيتلز” في نقاط محددة قوامها التغني بالإنسانية من أجل الإنسانية.
فجمعت “أوسمان” بين الكلمات الشعرية الهادفة، والمقامات الأمازيغية الأصيلة، التي امتزجت بموسيقى أكاديمية حديثة، أبدعها أعضاء المجموعة، على رأسهم الراحل عموري.
استطاعت “أوسمان’ أن تكون أول مجموعة تغني بالأمازيغية عبر أثير الإذاعة الوطنية، وعلى شاشة التلفزيون، ما مهد الطريق أمام فرق موسيقية أخرى جديدة.
ورغم قصر عمر المجموعة الذي لم يتجاوز الأربع سنوات، إلا أنها تركت إرثا فنيا مهما لكونها أيضا أول مجموعة أمازيغية توظف آلالات موسيقية جديدة مثل القيثارة والكمان والأكورديون، وتعتمد توزيعات موسيقية مختلفة. كما اهتمت بالعمل الإنساني، واحتكت بنشطاء في الحركة الثقافية الأمازيغية.
“عموري”.. جيل المجددين
يعترف العديد من النقاد الفنيين أن الفنان الراحل “عموري مبارك” كان رائدا في الخطاب الشعري الملتزم، ومبدعا في تحديث الإطار الموسيقي لأعماله.
فكانت مسيرة عموري الفنية بمثابة امتداد لتجربة فرقة “أوسمان” الثورية بعد حلها. وهي الفرقة التي كانت من التجارب الأمازيغية القليلة التي تمردت على التقاسيم الخماسية على مستوى الألحان.
اعتمد عموري توزيعا موسيقيا حداثيا بمقامات الأغنية العالمية بشكل ملحوظ، دون إهمال الأصول الخماسية للأغنية الأمازيغية.
وما ميز الراحل أيضا، هو صوته وأداؤه للأغاني التقليدية الخالدة لكبار “الروايس” من قبيل الراحل الرايس الحاج بلعيد، الذي أعاد عموري مبارك مجموعة من أغانيه الأمازيغية القديمة.
ورغم أن الراحل عموري كان يغني “للروايس”، فإن انتماءه كان دائما لمدرسة “المجددين” أو “جيل المجددين” الذين أدخلوا على الأغنية الأمازيغية تعديلات، فيما ينتمي الباقون إلى “جيل الروايس”.
وحتى يبقى الراحل عموري خالدا في أذهان المغاربة، تحرص “مؤسسة عموري مبارك” على تخليد ذكرى رحيله (14 فبراير من كل سنة)، بلقاءات شعرية وفعاليات ثقافية، تشيد بمسيرة عموري الفني وانخراطه غير المشروط في القضايا الاٍجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع المغربي.
وفقدت الأغنية المغربية أحد أبرز رموزها سنة 2015، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، الذي أوقف مسار حياة فنان “الأغنية الملتزمة”، ولعل عموري ترك المشعل لخلفه “سيفاو عموري” الذي يعيش حاليا في كنف والدته، أرملة الراحل “زهرا تانيرت”.
*مصادر أخرى
-كتب-صحف-سوشل ميديا