تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.

 في حلقة اليوم يأخذكم هذا الربورتاج في رحلة إكتشاف قصة تسحق أن تروى جيلا بعد جيل، إنها قصة الحاج عابد العيسي.. السوسي العصامي الذي بدأ من الصفر حتى صار “مليارديرا”.

توقيع: سامية أتزنيت

قصة عابد العيسي، الذي انطلق من الصفر، حتى وصل إلى القمة، تستحق أن تدرس للأجيال القادمة، كنموذج ناجح، ومثال على الصبر والعزيمة والروح العصامية.

فتى وصل إلى الدار البيضاء بصفر في درهم، حتى صار يلقبه الفرنسيون بالملياردير سنة 1948. ثم تقلد بعدها مناصب رفيعة، وراكم خبرة عميقة في مجال التبادل التجاري على الصعيدين الوطني والدولي.

 فكان المستورد المغربي لأجود أنواع السكر، وسلع أخرى، وصار أمينا للتجار في البيضاء لعقود، ليصبح سنة 1951 رئيسا لغرفة التجارة والصناعة بـ”كازابلانكا”.

سيرا على الأقدام إلى “كازا”

في قرية “أضاض ن واماس”، وسط عائلة محافظة مشهورة بلقب العيسي أو آيت العيس، ولد عابد العيسي سنة 1894. كان والده من رجالات الطريقة الصوفية الدرقاوية المعروفة في تافراوت وغيرها من مناطق المملكة المغربية.

تعلم عابد وهو صغير، القرآن وحفظه، وتلقى علوم الدين الذي يدرس في المدارس العتيقة بالمغرب.

وفي سن 16 سيتحول عابد إلى التجارة، بعيدا عن مسار والده، ليسافر إلى مدينة الدار البيضاء سيرا على الأقدام، وكان ذلك سنة 1910، أي قبل عامين فقط من إعلان بداية الحماية الفرنسية على المغرب.

سافر الفتى عابد سيرا على الأقدام، لأنه لم تكن تتوفر المنطقة آنذاك على وسائل نقل متقدمة. وفي رحلة دامت 23 يوما، عبر فج “تيزي ن تاست” ثم مراكش، وصل عابد ذو 16 ربيعا إلى مدينة الأحلام (كازابلانكا). 

حين وصوله إلى المدينة، بدأ عابد العيسي العمل عند تجار وحرفيين. واشتغل عديد المهن والحرف، وكان دائم التوفير مما يحصل عليه من أجر. فقد كان ذكيا ذو عقلية فذة في الادخار والاستثمار.

استطاع الشاب السوسي جمع رأس مال لا بأس به، استأجر به محلا لبيع المواد الغذائية، من قبيل الشاي والقهوة والسكر والزيت، والقطنيات بما فيها العدس والحمص والفاصولياء.

في عام 1911، قام عابد العيسي الشاب بزيارة إلى عروس الشمال مدينة طنجة، وهناك اكتشف أن المدينة عبارة عن ملتقى مهم جدا لعدد من رجالات سوس الرائدين في مجال التجارة والحرف، وأنها مدينة مثيرة للاهتمام شأنها شأن مدينة الدار البيضاء.

فتولدت في ذهنه فكرة ثمينة، ألا وهي ان يستكلف بنقل الطرود وبعض البضائع والسلع الخاصة بسواسة، من طنجة إلى جهة سوس، خصوصا وأن وسائل النقل كانت شبه منعدمة. فكان يحصل على أجور مقابل توصيل تلك الأمانات إلى أصحابها في سوس.

“بوردو” وبداية النجاح

في سنة 1916 سيتمكن السي عابد من السفر إلى مدينة بوردو الفرنسية، وهناك سيشتغل لمدة لا تقل عن خمس سنوات، جمع خلالها أموالا مهمة، ورجع بها عائدا سنة 1921 إلى عاصمة اقتصاد المغرب، “الدار البيضاء”.

 هناك، حار عابد العيسي فيما يستثمر فيه ماله هذا. فقر أن يقتحم مجال العقار واشترى قطعة أرض. وكان هذا الاستثمار نقطة انطلاق الحاج عابد السوسي في عالم المال والأعمال.

امتلك حوالي 200 محلا تجاريا، وتوسعت شبكة علاقاته مع تجار ومستثمرين، حتى قال عنه الباحث الأمريكي “جون واتربوري” منوها بمساره “إن الحاج عابد أصبح شخصية شبه أسطورية في عالم التجارة والمال”.

موصوف بالثقة وكان يوصي بها كثيرا من شركاه وأهله والمقربين منه، حتى صارت بصمة خاصة به. السي عابد “رجل الثقة والمعقول”.

وهذه الصفة هي التي جعلت منه المستورد لعلامة معروفة للشاي بالمغرب، والمستورد الوحيد لأجود أنواع السكر من بلجيكا، وأمين التجار في الدار البيضاء لعقود، وحتى رئيس غرفة التجارة والصناعة في ذات المدينة سنة 1951.

ومن بين المجالات التي عمل بها الحاج عابد السوسي غير التجارة والعقار، استثمر في الفلاحة والبترول وغيره.

وعرف عنه حبه للعمل الخيري والاجتماعي، حتى إن العلامة محمد المختار السوسي، أكد في إحدى شهاداته عن الحاج عابد السوسي، أنه لولا فضل من الله، وتقوى الحاج عابد لما استطاع المختار السوسي المبيت ليلة واحدة في مدينة فاس، حيث كان العلامة الراحل يتابع دراسته بجامعة القرويين.

 ساعد الحاج عابد الفقراء والمحتاجين والأيتام والطلاب، وقد تقلد منصب رئيس الجمعية الخيرية الإسلامية في الدارالبيضاء. وكان أيضا يشرف ماليا على الميتم الإسلامي بعين الشق.

  جدير بالذكر أن الملك الراحل محمد الخامس، وشح الراحل الحاج عابد السوسي بأحد الأوسمة الملكية، في زيارة ملكية رسمية لمدينة تارودانت في 29 ماي 1959.

*مصادر

-كتاب: العصاميون السوسيون في الدار البيضاء

-وسائل إعلام+ سوشل ميديا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *