بقلم: يونس التايب

 

في معمة الأخبار التي تبعث على القلق و تصيب بالتوجس من قدرتنا على رفع تحديات الواقع، وصل هذه الليلة خبر سار يبعث على الاطمئنان بشأن قدرة المغرب، بكل قواه الحية، على أن يتخذ الخطوات اللازمة، بمسؤولية و بحكمة، عندما يكون ذلك واجبا، للتقدم على طريق البناء المؤسساتي وتجاوز الخلافات السياسوية و بناء المستقبل على أسس متينة.

مساء اليوم، سجلت بلادنا محطة خاصة في مسار تعزيز الثقافة الوطنية المغربية بكل مكوناتها و تنوعها، حيث صادق مجلس النواب بالإجماع، في جلسة عمومية تشريعية، على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية، مع اعتماد حرف “تيفيناغ” لكتابة الأمازيغية.

بهذا الإنجاز ينتهي، بشكل ديمقراطي و حضاري، مسلسل المزايدات السياسية والانتخابية الذي استمر حوالي ثلاث سنوات بين الحكومة والمعارضة، بشأن حرف كتابة اللغة الأمازيغية.

وينص القانون الجديد على إلزامية تحرير بطائق التعريف الوطنية، وجوازات السفر، والأوراق المالية، والنقود، وفواتير الماء والكهرباء، والهاتف، وكل الشهادات الإدارية، والأحكام القضائية بحرف “تيفيناغ”، بالإضافة إلى باقي مجالات الخدمات من قبيل وسائل النقل العمومية، من طائرات، وسفن، وقطارات، وسيارات الخدمة العمومية، وسيارات، وناقلات المصالح العمومية التابعة للأمن الوطني، والدرك الملكي، والوقاية المدنية، والقوات المساعدة، والإسعاف.

كما أن المؤسسات العمومية والإدارية ملزمة بإدراج اللغة الأمازيغية في المواقع الإلكترونية والإخبارية التابعة لها، بالإضافة إلى إدماج الأمازيغية في برامج محو الأمية والتربية غير النظامية، ونقل جلسات البرلمان بالأمازيغية مباشرة على القنوات التلفزيونية والإذاعات العمومية، ونشر القرارات ومداولات الجماعات الترابية في الجريدة الرسمية لهذه الجماعات باللغة الأمازيغية.

أما في شق التربية و التعليم، فينصّ القانون التنظيمي على إلزامية تدريس اللغة الأمازيغية، في كامل التراب الوطني وفي جميع أسلاك التعليم. وعلى السلطة الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والتعليم العالي، بتنسيق مع المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، اتخاذ التدابير اللازمة بإدماج اللغة الأمازيغية بشكل تدريجي في منظومة التربية والتكوين بالقطاعين العام والخاص.

القانون ينص أيضا على بث الخطب والرسائل الملكية والتصريحات الرسمية للمسؤولين العموميين على القنوات التلفزية والإذاعية العمومية الأمازيغية، مصحوبة بالترجمة، الشفاهية أو الكتابية، إلى اللغة الأمازيغية، و بث البلاغات والبيانات الموجهة إلى عموم المواطنين باللغة الامازيغية.

لن يكون الأمر سهلا بدون شك، و سنحتاج إلى كفاءات حقيقية، و إلى إمكانات مهمة لتأهيل الذات المؤسساتية حتى تستطيع توفير ما هو مطلوب في ظرف زمني معقول. لكن الأهم، هو أن تسود لدى الجميع روح احترام التنوع الثقافي بعيدا عن أي حساسيات متخلفة، و التزام اجتهاد تدبيري يدعمه انخراط شعبي يحمل روح المواطنة الصادقة و الفرح بما سيبذل من مجهود من أحد أوجه تميزنا الهوياتي.

و لا شك أن تعلم حروف جديدة، هي حروف تيفيناغ، و اكتساب المهارات في لغة وطنية أصيلة لا يتكلمها الكل، هو تحدي نوعي يحتاج رفعه إلى تلقائية خاصة بدون تشنج و باعتزاز كبير بالمساهمة في إنجاح تنزيل أحد الاختيارات الدستورية التي اتفق عليها المغاربة، تماشيا مع حقيقة الواقع الثقافي ببلادنا و خصوصية مجتمعنا، للحفاظ على الرأسمال الثقافي الوطني و تثمينه و جعله رافعة للتنمية و ضدا على التهميش.

ورش ثقافي وطني كبير  ينطلق، إذن، و على كل الفاعلين أن يتحلوا بأعلى درجات المسؤولية و النزاهة في التدبير، و الصدق في القول و التواصل، و الكفاءة في الاختيارات، و الترفع عن كل ممارسة تدبيرية فاسدة من شأنها إعاقة تنزيل ما تم إقراره في هذا القانون. وهي أيضا، فرصة لكي نزيد من جعل تنوعنا الثقافي داعما للحمة المجتمعية و الهوية الوطنية الجامعة، و معززا للإدماج الاجتماعي و تحقيق العدالة المجالية، و تقوية حظوظ تنمية الإنسان المغربي و تقدمه من خلال إحساسه بقوة روافده الثقافية، و إشاعة قيم المساواة و الانفتاح و احترام الاختلاف في إطار توابث الأمة المغربية ومقدساتها.

أتمنى أن لا نخطأ الموعد مع النجاح في تجديد الإحساس باستمرار النبوغ المغربي، و التميز الحضاري للمملكة المغربية، و رسوخ الذكاء المجتمعي للشعب المغربي الأبي. شكرا لكل الفاعلين الذين منحونا اليوم هذه الفرصة، و كل الأمل يبقى معقودا على أن تسارع الحكومة و المعارضة الخطى، للنهوض بباقي المجالات التي لا زالت تحتاج إلى مجهودات جبارة حتى يتم تأهيلها، و أقصد هنا استعجالية التدخل لإنقاذ قطاعات الصحة العمومية، و التعليم، و التشغيل، وتسهيل الاستثمار، و ضبط التعمير، و الحفاظ على البيئة و التنمية المستدامة، و محاربة كل أوجه التهرب الضريبي وعدم تأدية المستحقات الواجبة للدولة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *