تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.
في حلقة اليوم يأخذكم هذا البورتريه في رحلة إكتشاف محطات من حياة الروائي والشاعر المغربي، محمد خير الدين إبن تافراوت الذي حلق صوب العالمية.
*سامية أتزنيت
بجهة سوس ماسة، إقليم تيزنيت، وفي دائرة “تفراوت”، وتحديدا دٌوًار “أزرو واضو” الذي ينتمي لمشيخة “أكنس واسيف”، رأى “الطائر الأزرق” النور عام1941.
هو الروائي والشاعر المغربي، محمد خير الدين. واحد من أبرز الشخصيات في تاريخ تافراوت المعاصر. ورغم رحيله المبكر عن هذا العالم “القاسي”ـ كما عبر في أكثر من مناسبة ـ إلا أنه ترك بصمات واضحة في مجال الأدب.
بدايات مبكرة
ترك محمد وأسرته تافراوت في سن مبكرة، وهاجروا صوب الدار البيضاء، مدينة الأحلام والآمال آنذاك. وهناك كبر وترعرع محمد خير الدين، ليتقن اللغة الفرنسية جيدا قراءة وكتابة.
بدأ محمد يكتب الشعر وهو بعد مراهقا، وكان ينشر قصائده في صحيفة ” لفيجي ماروكين” (الرقيب المغربي)، أحد أهم وأقوى المنابر الإعلامية السائدة حينها.
كانت هذه الصحيفة، أول جريدة ناطقة باللغة الفرنسية، تصدر في كازابلانكا بداية القرن العشرين، وواحدة من الصحف التابعة للمجموعة الشهيرة «ماس»، نسبة إلى رجل الاعمال الفرنسي “بيير ماس”، الذي أقام في المغرب بدعم من المستعمر الفرنسي.
ومما ساهم في صقل شخصية محمد خير الدين، ومهد لخطواته اللاحقة، تركه للمسار الدراسي مبكرا، في سبيل الحصول على عمل. فاشتغل وهو في العشرين من عمره، مندوبا بالضمان الاجتماعي، بين سنتي1961 و 1963 ، في مدينة أكادير ثم في الدار البيضاء.
بعدها بسنوات قليلة، استقال محمد من منصبه، وهاجر سنة 1967 هاربا إلى باريس عاصمة الأنوار، إذ لاحقت “الطائر الأزرق” تهما قانونية، لاشتراكه في انتفاضة مارس 1965 .
وهي أحداث تجمع فيها آلاف الطلاب في مباراة لكرة القدم بمدرسة محمد الخامس في الدار البيضاء، لتنظيم مسيرة من أجل الطلب من إدارة المغرب والمسؤولين بتعويض أكثر للمتضررين في حقوقهم في التعليم العالي الحكومي. لكن هذه الأحداث أخذت منحى عنيفا بمظاهرات لم تكن سلمية خصوصا بعض انضمام معطلين لصفوف الطلاب المحتجين.
في فرنسا أكمل محمد خير الدين مسيرة الثورة، بما يتناسب وروحه الحرة، فشارك في ماي عام 1968 في ثورة طلاب فرنسا، كما كان من بين الفنانين الذين احتلوا مسرح “الأوديون” بباريس للمطالبة بحقوقهم المشروعة.
تأثير مدينة الأضواء
رجع محمد خير الدين إلى المغرب سنة 1979 بعد غياب ستة عشر عاما. وكانت فرنسا، وباريس تحديدا ـ مدينة الأضواءـ قد مارست سحرها على محمد خير الدين، فتأثر بالكتاب والمفكرين الفرنسيين، ومنهم جون بول سارتر، الفيلسوف والروائي والناشط السياسي المعروف، الذي نشر لمحمد خير الدين قصيدة “الملك”، في افتتاحية مجلته الشهيرة “لوتون مودرن” (الأزمنة الحديثة).
وطيلة المدة التي قضاها بمنفاه الباريسي الاختياري، كان وجدانه غير غائب عن وطنه الذي كانت له حصة الأسد في أعماله الأدبية.
وكانت قصائد خير الدين محبوكة بطريقة كلاسيكية، ولغة فرنسية أنيقة ومنمقة. وبرز في الستينيات كواحد من ألمع الشعراء المحدثين، إلى جانب الطاهر بن جلون، ومصطفى النيسابوري، وعبد الكبير الخطيبي.
وكان هؤلاء الشعراء قد تحلقوا آنذاك حول الشاعر عبد اللطيف اللعبي ومجلته “أنفاس”، التي كانت تنشر في العاصمة الرباط منذ عام 1966 قبل أن تحظرها السلطات سنة 1972. وكانت المجلة الدورية، أدبية ذات توجه سياسي ـ ثقافي ثوري، تصدر باللغتين العربية والفرنسية.
بعد عودته إلى المغرب، أصدر محمد خير الدين ديوان شعر جديد سماه ” انبعاث الورود البرية”. وواظب على نشر نصوص متفرقة في جريدة “لوماروك” الفرنكوفونية الصادرة في ثمانينيات القرن الماضي.
وشكلت هذه النصوص نواة رواية جديدة، غاص فيها عميقا في أصوله السوسية التافراوتية، “أسطورة وحياة أغونشيش” عام 1984.
أعمال خالدة
بقي محمد خير الدين في بلاده حتى وفاته سنة 1995، بعد أن أصيب بمرض السرطان لم ينفع معه علاج، مخلفا وراءه إرثا أدبيا فرنكوفونيا مميزا.
وكان مما صدر له أول مرة، مؤلف “غثيان أسود” في لندن سنة 1964، وقد ضم قصائد بيأس وجودي متأصل.
وفي سنة 1967 نشرت له دار “سوي” الفرنسية زوايته “اكادير”، التي كتبها عقب زلزال 1960 المدمر.
بعدها بسنة (1968)، نشرت له نفس الدار الفرنسية، روايته الشعرية “الجسد السالب”، حيث كرس أسلوبه الثائر عبر سرد شعري يحبس الأنفاس.
وفي سنة 1969 جمع قصائد تعكس إحساساً حاداً باليأس والتمرد في ديوان شعري اختار له من المسميات “شمس عنكبوتية”. ثم توالت الاعمال من “أنا الحاد الطباع” و”النباش” و”هذا المغرب”. وصولا إلى “انبثاق الأزهار المتوحشة” و”أسطورة وحياة اكونشيش”.
فيما صدر له بعد وفاته مؤلفان هما “نصب تذكاري” و”كان هناك زوجان سعيدان” وأعمال أخرى.
رحل الروائي الشاعر، بل الأديب والمفكر، محمد خير الدين، آخذا معه روحه الأمازيغية الحرة، المفتخرة بأصولها. كيف لا وهو الذي شبه الحرية بـ”شجرة الأركان”، ووصف من اقتلع نفسه من جذوره بأنه “فاقد لذاته لا محالة”.”