تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.

 في حلقة اليوم يأخذكم هذا الربورتاج في رحلة إكتشاف لمنطقة “مسكينة” ..الوجه الآخر من تاريخ المغرب في سوس العالمة

*سامية أتزنيت

تقع منطقة “مسكينة” على بعد 5 كلومترات من مدينة أكادير، في رحلة تقل عن ساعة من الزمن.

عرفت قديما بضمها طرقا للقوافل الصحراوية. وتضم اليوم العديد من الآثار التي تشهد على هذه الفترة، مثل “تيمزكيدا ن أكرض”، وقبور السعديين القديمة.

 

التراث التاريخي لبلاد مسكينة

 

في شرق أكادير، عند قدم الأطلس الكبير الغربي في وادي تغزوت خلف غابة كثيفة من أشجار الأركان، تتواجد منطقة «مسكينة”.”  “Mesguina  

  تعد “أكرض” أشهر قرية بالمنطقة حيث يقبع ركام  قلعة “أكلاكال”، شاهدة على تاريخ المرابطين والسعديين، إذ تتواجد في القرية مدرسة قرآنية ومسجدا، يعود تاريخه إلى عهد الدولة المرابطية التي حكمت المغرب في الفترة ما بين  1060و1147 ميلادية.

تحتضن القرية أيضا مقابر العديد من أمراء السعديين (القرن السادس عشر) وعائلاتهم والجنود الذين لقوا حتفهم في المعارك.

مسكينة (بنطق الكاف مثل حرف الجيم المصري) كلمة قديمة. فقد كان يطلق على أكادير اسم مسكينة منذ القرن 12 الميلادي. وسمى الرحالة لحسن بن محمد الوزّان الزياتي الفاسي، الشهير بـ”ليون الافريقي” قلعتها بأكادير باسم “غوارغيسيم أي إيكسيمن”. فيما وجدت خرائط ووثائق رسمية دولية، أطلقت على أكادير اسم “بورطو ميسكينوم” (أي مرسى/ ميناء مسكينة). 

كانت كل القوافل التي تأتي من الصحراء محملة بالذهب والمعادن الثمينة، تمر عبر منطقة “مسكينة”، كونها المعبر الوحيد عبر جبال الأطلس إلى جانب سجلماسة من ناحية الشرق. موقع جغرافي متميز جعلها تعرف تعميرا منذ القدم، فضمت قبائل آيت عباس وآيت تاكوت وآيت القبط، وغيرها.

قبائل ايمسكّين السوسية

تشكل مسكينة حدود منطقة أهل أكادير، التي تمتد الى المحيط الأطلسي غربا، وتكتب مسكينة في الوثائق المخزنية بالجيم المشددة (مسجّينة)، وبالكاف المعطشة (مسكّينة). وهي تسمية للمكان، وتنطق بالأمازيغية مبدوءة بالألف (إيمسكّينْ) على صيغة الجمع، ومفردة (أمسكّينْ).

 وفي المعنى اللفظي كلمة (أمسكّين) تحيل على الرجل الشديد المراس، وكلمة (أماسكان) تعني الرجل ذو البشرة السمراء.

جغرافيا تحد قبيلة ايمسكّين شرقا اتحادية قبائل هوارة، وشمالا قبيلة أيت وانكريم وقبيلة إيفسفاسن التابعتين لاتحادية قبائل إداوتانان، وقبيلة إداوزيكي القبيلة السوسية الأطلسية الحدودية، وغربا فرقة أهل أكادير التابعة لامسكين ثم ساحل المحيط الأطلسي، وجنوبا قبيلة أكسيمن موطن مدينة إينزكان.

تنقسم قبيلة ايمسكين إلى فرقتين تفصل بينهما “تالات نووشن”، حيث يوجد في القسم الشرقي فرقة “أيت عباس”، وفي القسم الغربي فرقة “أيت تاكوت”..

تاريخيا استقرت قبائل ايمسكين وأكسيمن وأهل أكادير في فترة سابقة للعهد السعدي، لأنها وردت في كتاب وصف افريقيا للرحالة لحسن الوزان وفي كتاب نزهة الحادي للافراني وديوان قبائل سوس لابراهيم الحساني.

لقد استقرت ايمسكين في مجالاتها الحالية بالخصوص منذ القرن 12م، كما عند البيدق في كتاب الأنساب.

حسب ديوان قبائل سوس فقد بلغ عدد القبيلة في القرن 16م 37500 نسمة، وكان لها دور ريادي في الدفاع عن حصن أكادير ضد البرتغال في صفوف الجيش السعدي، بحسب ما ورد في موقع “قبائل المغرب”.

ويقول الباحث الأستاذ عمر أفا، إن الاستقرار النهائي لهذه القبائل بمنطقة مسكينة كان في القرن 19م، وكانت الألواح العرفية المكتوبة التي تشكل قوانين هذه القبائل تذكر أسماء نواب هذه القبائل وحكامها.

ومما جاء في التاريخ أيضا أعلام واردة في مؤلف “رجالات العلم العربي في سوس” للعلامة محمد المختار السوسي. ومنهم إبراهيم بن يحيى المسكيني، الشهير بأبي السحاب، صالح شهير في عهد ابن تومرت.

وعبد الله بن عمر المسكيني، العالم الذي اشتهر في عصره بالصلاح، وابو بكر بن خالد المسكيني واحد من أفاضل العلماء المفتين.

ومن القرن 12 الهجري، أحمد عبد الله المسكيني، علامة أديب وشاعر، كان قاضيا في أكادير وتوفي بعد 1169للهجرة، ومن الأسماء الواردة أيضا من أبناء منطقة مسكينة أحمد بن محمد المسكيني، واحد من أشهر القراء الكبار.

منطقة للاستكشاف والنزهة

 

تتميز منطقة “مسكينة” بغطاء نباتي متنوع، أكثرها شيوعا نبات الخزامى، والدفلى.  وتكونت بها جيولوجيا طبيعية تكتونية وأحفورية، تمنح الزوار مناظر بانورامية استثنائية للاستكشاف، أو للقيام بنزهات عائلية تمتد لساعتين بين مرتفعات ومنخفضات المنطقة.

تنطلق هذه المغامرة من “تيغانمين الباز” وصولا إلى “أزراراك” بالقرب من التلال الأولى للأطلس الكبير الغربي.

ويمكن هناك زيارة القرية القديمة برفقة مرشد سياحي، وأيضا اقتناء منتجات طبيعية محلية من تعاونيات زيت أركان والمناحل التقليدية.

 أما الباحثين عن المغامرات والاستكشاف، فيمكنهم اختيار مسلك الخمس ساعات في نزهة بطريق جبلي مع إطلالة رائعة على قرية أكرض، يتخللها تسلق المرتفعات، انطلاقا من دار الضيافة “أطلس قصبة”، وصولا إلى مضايق أزراراك، عبر الوادي الأخضر.

ويمكن للسائح زيارة ثكنة “أمتضي” الواقعة في المرتفعات، والتي توفر رؤية بانورامية ساحرة، وأيضا قصبة أكلاكال، التي اختارها الشيخ محمد السعدي، مقرا لإقامته في الفترة الممتدة من 1540 إلى 1554.

لا ينكر أحد قوة حضور المجال الصوفي والديني، وهيمنة ثقافة المزارات والأضرحة والزوايا في منطقة سوس. إذ تشكل منظومة لها أبعادها ودلالاتها ووظائفها الممتدة في التاريخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *