* مصطفى سلمى

للمرة الثانية تخرج الخارجية الجزائرية ببيان تدين فيه ما أسمته باستهداف المغرب لمدنيين بأسلحة متطورة خارج حدوده. ولم يكن مصطلح “خارج حدوده” حاضرا في السياسة الخارجية الجزائرية قبل الاختلال الدراماتيكي لميزان نزاع الصحراء الذي حصل بعد 13 نوفمبر 2020.

ففي ظرف أشهر معدودات مكن إبن الرحامنة الطالبي الوافد على زعامة البوليساريو، المغرب من كل ما ظل مستعصيا وصعب المنال طيلة العقود الفائتة، بسبب الظروف التي وقعت فيها اتفاقية وقف إطلاق النار لسنة 1991.

1- غلق معبر الكركرات أعطى للمغرب الحجة في بسط سيادته على الكلمترات التي كانت تفصله عن موريتانيا وتعزله عن عمقه الافريقي. دون إطلاق رصاصة واحدة.

2- مسارعة الجبهة في سحب المجموعات التي كانت تغلق المعبر لحظات قبل التدخل المغربي، كفى المغرب شر القتال. وجنبه احتجاز مدنيين كانوا سيشكلون حرجا وعبئا عليه.

3- إعلان الجبهة التنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار والعودة إلى حمل السلاح أعطى للمغرب المتفوق جويا و تقنيا المشروعية في بسط سيطرته على المناطق شرق الحزام دون خسارة قطرة دم واحدة.

4- إخلاء البوليساريو للمناطق شرق الحزام من سكانها المدنيين في ظل تواجد قوات الامم المتحدة (المينورسو) وإعلانها ان كامل الاقليم بات ساحة حرب، سهل على الجيش المغربي مأمورية السيطرة على تلك المناطق باعتبار ان أي هدف يتحرك فيها هو عسكري و يشكل تهديدا محتملا للقوات المغربية، يستوجب التعامل معه وتحييده.

المكاسب التي تحصل عليها المغرب من خطئي البوليساريو (غلق معبر الكركرات و إعلان التنصل من وقف إطلاق النار)، تدخل في خانة المكاسب الاستراتيجية، فبموجبها أصبح نفوذ المغرب على كامل الاقليم المتنازع عليه واقعا وخرجت البوليساريو من دائرة التأثير نهائيا.

 وهو الوضع الذي لخصه جلالة الملك محمد السادس في خطابه الاخير حينما قال بأن “المغرب لا يتفاوض على صحرائه” وقد باتت كلها تحت سيطرته. وجعله في موقف قوة تساقطت بموجبها آخر أحجار الدومينو التي كانت حتى وقت قريب تجهر بمساندتها لطرح البوليساريو (المانيا و إسبانيا).

هذا التغير الدراماتيكي في معادلة النزاع، وجدت معه الجزائر نفسها، وجها لوجه مع المغرب لأول مرة منذ اندلاع النزاع قبل أزيد من أربعة عقود ونصف.

وفي محاولة منها لاستدراك ما لم يعد من الممكن استدراكه باتت في بياناتها تعزف على وتر الضحايا المدنيين لعلها تحد من هيمنة القوة المغربية على كل شبر في الصحراء. تماما كما ظلت تحاول على مدار العقود الفائتة إدراج مراقبة حقوق الانسان ضمن اختصاصات بعثة المينورسو في مسعى للحد من سيادة المغرب على المناطق غرب الحزام.

منذ 13 نوفمبر وبعد ان أصبحت البوليساريو خارج معادلة النزاع، وجدت القيادة الجزائرية نفسها في مواجهة مباشرة مع المغرب، لم يعد ينفع معها الاستمرار في الادعاء بأنها طرف غير مباشر في النزاع.

ولأن كبرياء العسكر الحاكمين في الجزائر يمنعهم من التسليم بالتفوق المغربي على الارض، وغير جاهزين للمواجهة، اختاروا تكتيك قطع العلاقات الديبلوماسية حتى يتجنبوا حرج الجلوس على طاولة التفاوض ريثما يرتبون اوراقهم التي بعثرتها وضعية ما بعد 13 نوفمبر.

 والى حينه ستستمر القيادة الجزائرية في تقديم الضحايا المدنيين قرابين من أجل الإبقاء على ذكر النزاع بعدما فشلت بلاغات البوليساريو العسكرية في إيصال رسالة الحرب والتوتر في المنطقة التي تريد الجزائر إبلاغها للعالم.

والمغرب العارف بالوضع الذي آل إليه النزاع بعد 13 نوفمبر لن يفرط بأي حال من الاحوال في المكاسب التي تحققت له رغم الاستفزازات، بل سيستمر في تعزيزها وتحصينها ودعمها بالاعترافات الدولية حتى تصير أمرا واقعا، فلا يبقى أمام الجزائر التي فقدت ورقة البوليساريو وكيلها في استنزاف وعرقلة المغرب، غير المواجهة المباشرة مع ما تحتمله من خسارة لها، أو الجلوس على مائدة التفاوض وإنهاء الصراع.

فلا فائدة من الاستمرار في إيواء بوليساريو فقدت فاعليتها في معادلة النزاع.

*ضابط سابق ومعارض لقيادة جبهة البوليساريو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *