تنشر جريدة “أكاديرإينو” بتعاون مع جريدة “le12.ma” طوال الشهر الفضيل، ربورتاجات وبورتريهات حول أشخاص وأمكنة من سوس العالمة، كان لها الأثر في أحداث ووقائع يذكرها الناس ويوثقها التاريخ.

 في حلقة اليوم يأخذكم هذا الربورتاج في رحلة إكتشاف الحقيقة الأخرى لأضرحة وأولياء أكادير “الصالحين”.. حينما تمتزج الحقيقة بالخيال

*سامية أتزنيت

لاينكر أحد قوة حضور المجال الصوفي والديني، وهيمنة ثقافة المزارات والأضرحة والزوايا في منطقة سوس. إذ تشكل منظومة لها أبعادها ودلالاتها ووظائفها الممتدة في التاريخ.

وسيطرت الكرامات الخرافية منذ العصور القديمة على المخيال الشعبي لساكنة المنطقة. حيث تأثرت بتعاقب المعتقدات الدينية، بدءا من عبادة الأوثان وصولا إلى الإيمان بالرسالات السماوية الثلاث.

 ويبقى من أشهر الكرامات في مخيال سواسة، كرامة المشي على الماء، والطيران في الهواء، والاختفاء عن الأنظار، وطي المسافات، واستحضار الجن وتسخيرهم في استخراج الكنوز، وغيرها من المعتقدات.

وكما هو الحال بالنسبة لمعظم المدن المغربية، يتبرك الناس بزيارة الأضرحة والأولياء “رجال البلاد” في مدينة أكادير، التي تضم العديد من الأولياء مدفونين في الاتجاهات الأربعة للمدينة.

 

بولقنادل حامي المدينة

 

على سفح جبل الأطلس الكبير الذي “يحرٌص” المحيط الأطلسي، حيث ميناء أكادير الشهير، وبجوار حصن “فونتي” القديم، تطل منارة وقبة لمسجد صغير، بضريح يصفه المحليون  بـ” تكمي ن أوفلا “، وتعني (الدار العالية).

هناك، يتربع “بولقنادل” على عرش أولياء سوس، الموصوفون بكونهم “صالحين”، وهو أهم ضريح في المدينة، وينتمي إلى زاوية الشيخ التي مقرها ساحل بحر أكادير.

 يأتيه الزوار من كل حدب وصوب، وتحديدا من القرى والبوادي المجاورة لمدينة أكادير، بعدما شاع عنه قدرته على فك السحر، وطرد العين والنحس، وإبراء العلل الفتاكة، وإرجاع الغائب والمفقود وإفشاء المكنون وتزويج العانس وتيسير العمل وغيرها من “الكرامات”.

ومازال طقس “أمعروف” (أي المعروف أو الصدقة)، يقام من حين إلى آخر لـ”سيدي بولقنادل” القابع بضريحه في جبل أكادير أوفلا، من قبل المحسنين الذين تيسرت أمورهم بنية الصدقة وإكرام الفقراء، أو يرجون تحسينها مستقبلا.

 ويقال إن اسم بولقنادل الحقيقي هو سيدي محمد بن يحيى بن إبراهيم تغانمين، كما جاء على لسان “مقدم الضريح” الذي يشرف على تسيير أمور ضريح الوالي الصالح، والزوار القادمين. ويقال إن الشيخ بوالقنادل من ذرية سيدي شكولر بن الصحابي الجليل سيدي واسمين سلطان الركراك، دفين جبل الجديد بقبائل الشياظمة.

 وكان في ما كان مما مضى من تاريخ هذا الضريح، إقامة موسم سنوي (غالبا منتصف شهر شعبان، في يوم خميس)، على شاكلة سوق ومحج بـ”فونتي” القديمة قبل الزلزال.

 تفد إلى هذا الموسم، الذي كان معروفا ببولقنادل الركراكي، مختلف قبائل سوس ماسة، قبل أن تندثر هذه العادة عقب زلزال 1960.

ويعود لقب بوالقنادل حسب الرواية الشفوية إلى التزام هذا الشخص بالجهاد ضد الأعداء، باستخدام القنديل كوسيلة لإخبار المجاهدين بوصول العدو.

 وتروج حكاية شائعة بين الناس تقول إن الزوار كانوا يوقدون القناديل والشموع ليلا بالضريح، فيهتدي بها البحارة لتحديد موقعهم من الميناء.

فيما ذكره المؤرخ والعلامة محمد المختار السوسي، في أحد مؤلفاته بالقول، إنه كان “من الذين يحاربون أولا في تخوم الجبال أولاد جرار المستولين إذ ﺫاك على بسائط كل أزاغار..”.

“أكناو” العريس الشهيد

راج في الرواية الشفوية بين ساكنة مدينة أكادير، أن ضريح الولي الصالح سيدي بولقنادل كان مخصصا فقط للناس البيض. أما الزوار من ذوي البشرة الداكنة، فكانوا يتبركون بضريح “سيدي بوجمعة أكناو” أو “إكناون”.

ضريح في أعلى الجبل، كانت تقام فيه “الحضرة الكناوية” في يوم سبت من كل أسبوع، من قبل “إسمكان سوس”، وهم فرق لنمط غنائي شعبي، يمزج بين موسيقى سواسة وموسيقى الكناوية.

كانوا يؤدون بعض الطقوس بإشعال الشموع، والالتفاف حول الضريح في شكل دائرة، مع ترديد الأغاني والأهازيج الكناوية، فيما يعرف عند المغاربة بـ”الحضرة”. 

كما كان يقام فيه “أمعروف” خلال ثمانينيات القرن الماضي، ويقول بعض سكان أكادير أوفلا أنه لم يكن وجود لضريح بهذا الاسم قبل الزلزال. فيما ذهبت آراء آخرين إلى عكس ذلك.

وتقول الأسطورة، إن بوجمعة اكناو من أصول إفريقيا جنوب الصحراء، تزامنت ليلة دُخلته مع هجوم برتغالي على قصبة أكادير أوفلا وعين سيدي بوالقنادل. لكنه ترك عروسه ليدافع عن وطنه واعدا زوجته بالعودة بعد أن يصد العدوان رفقة الجنود.

لكنه طعن وظل يترنح من شدة الاحتضار، يقوم جسده برقصات غريبة كديك مذبوح. وعبر قرون بقي الاحتفال بموسم بوجمعة الكناوي مرتبطا بثنائية الفرح والحزن.

وتُخلّد ذكرى بوجمعة أكناوي غالبا في شهر غشت من كل سنة، ويدوم هذا الحدث لثلاثة أيام يمارس فيها أهل الولي وعشيرته ومحبوه طقوسا خاصة.

يامنة مولات القصبات

يوجد بمدينة أكادير لوحدها ما يفوق 90 ضريحا لأولياء صالحين، اختلفت أصولهم وقصصهم.

وعلى بعد أمتار قليلة من ضريح سيدي بوجمعة أكناو “العريس الشهيد” يوجد ضريح آخر، لولية صالحة تدعى “لالة يامنة بنت سيدي براهيم أوعلي ن تغانيمين”.

والمقصود باسم “ن تغانيمين” (مولات القصبات) أي صاحبة القصبات، في إشارة إلى أن هذه الولية الأمازيغية لأمازيغية ترتبط بالساحل والقصبتين الموجودتين في أكادير أوفلا.

وقبل سنة، أثير لغط ونقاش حول قبرها، في إطار أشغال تهيئة عمومية لقصبة أكادير أوفلا، والتي قيل إنها كشفت عن قبر فارغ لهذه الولية، فيما نفى المسؤولون المحليون هذه الواقعة، مؤكدين أن القبر مازال على حاله، وأن الصور التي تم تداولها حينها غير صحيحة. فمن تكون لالة يامنة بنت سيدي براهيم أوعلي ن تغانيمين، التي لا يكاد يوجد لها أثر في تاريخ المغرب؟.

هل كانت فعلا ولية أمازيغية صالحة اختارت المكان حيث يقام الضريح للتعبد والزهد؟. أم هل كانت ابنة أحد ملوك الأمازيغ ماتت ودفنت هناك؟.

تتعدد الروايات والأقاويل حول ضريحها، فيما تبقى هناك شاهدة على رمزية في تاريخ المغرب والمغاربة.

 

*المصادر

-مؤلف العلامة المختار السوسي

-بيان اليوم

-سوشل ميديا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *