الدافري

*أحمد الدافري 

في التسجيل الصوتي المُسرب لما دار بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وكاتب الدولة في الخارجية الأمريكية أنطوني بلينكن داخل قصر المرادية بالجزائر، سمعنا الرئيس تبون يقول لبلينكن بأنه بالنسبة إلى الجزائر قضية الصحراء الغربية ويقصد الصحراء المغربية، تماثل قضية فلسطين، وأن موقف الجزائر منهما واحد..

 لنحاول أن نفهم لماذا يصر حكام الجزائر أن يخلطوا الأوراق ويزجوا بالقضية الفلسطينية دائما كلما تناولوا قضية الصحراء المغربية التي تؤرقهم ولا شغل لهم سوى التشويش عليها.  

بطبيعة الحال كل دبلوماسيي دول العالم يعلمون اليوم من خلال وثائق رسمية وخرائط جغرافية تاريخية أن النظام الجزائري يحكم حاليا أرضا شاسعة سلمته إياها السلطات الفرنسية بعد استفتاء فاتح يوليوز 1962، وهي أرض كانت تسمى باسم “الجزائر الفرنسية”، احتلها الفرنسيون واقتطعوا بعضا منها من أراض كانت وقتئذ تابعة للإمبراطورية الشريفة التي كان يحكمها سلاطين الدولة العلوية (المملكة المغربية حاليا)،  واقتطعوا بعضا آخر منها من أراضي في الصحراء الجنوبية يقطنها الطوارق ومن أراض في الشرق كانت تابعة لإمارة تونس التي كانت تحكمها عائلات من أصل تركي.. وكل مؤرخي أوروبا يعلمون أنه لم تكن قبل الاستعمار الفرنسي دولة اسمها الجزائر، بل كانت هناك أربع إمارات (بيلكات Beyliks) مستقلة تقع في شمال إفريقيا بين إمارة تونس والإمبراطورية الشريفة، هي إمارة الشرق وعاصمتها مدينة قسنطينة، وإمارة الغرب وعاصمتها مدينة وهران، وإمارة التيطري وعاصمتها مدينة المدية، وإمارة الجزائر وعاصمتها مدينة الجزائر.

كلها إمارات كان يحكمها أمراء من أصول تركية يأتمرون بأوامر الدولة العثمانية في تركيا، ولها حاكم مركزي هو الداي Dey الذي يحكم ديلكة Deylik الجزائر التي تسمى بالفرنسيةAlger..  والكل يعلم أن الفرنسيين المستعمرين عندما وسعوا الأراضي التي احتلوها وبدا لهم أنه ينبغي إعطاء اسم جديد لهذه الأراضي قاموا بتسميتها L’ALGÉRIE. وهو الاسم الجديد الذي سميت به الأراضي التي أصبحت خاضعة للاستعمار الفرنسي جراء الاحتلال.

والعاقل سيعرف أن هناك فرقا بين كلمة Alger التي تعني مدينة الجزائر باللغة الفرنسية وبين كلمة L’ALGÉRIE التي تعني باللغة الفرنسية الأراضي التي أصبحت تحت هيمنة الفرنسيين. والكل يجب أن يعلم أنه حين تم التفكير في تعريب كلمة L’ALGÉRIE ، أي تحويلها إلى اللغة العربية، تقرر تسمية الأراضي المستعمرة الجديدة وأراضي البيلكات الأربع بنفس الاسم العربي وهو الجزائر .  يعني تحول اسم المدينة عاصمة الإمارات التركية إلى اسم دولة جديدة أنشأها الفرنسيون من خلال التوسع والاحتلال.

لذلك منذ أن تسلم النظام الجزائري سلطة الحكم في أراضي الجزائر   L’ALGÉRIE الموسعة بفعل الاحتلال والاستعمار، سارع بتبني أطروحة “الحفاظ على حدود الدول وفق الحدود التي تركها الاستعمار، وليس قبل الاستعمار”، لأن هذا النظام الذي جاء به المستعمر الفرنسي أتى كي يحافظ على مصالح الاستعمار الفرنسي في الأراضي التي استعمرها.

بعد إنشاء دولة الجزائر التي سميت بالعربية باسم إمارة الجزائر التي كانت تحت حكم الأتراك، كان على النظام الجزائري الحاكم والمتكون أفراده في أغلبهم من جنود درسوا داخل ثكنات عسكرية فرنسية وحاربوا إلى جانب القوات الفرنسية، أن يختار راية ترمز للدولة الجديدة. وكان الاختيار ينبغي أن يكون ذا حمولة رمزية على مستوى البروباغندا، ويجب أن يعبّر عن المقاومة والكفاح المسلح والتحرر..

   في نهاية خمسينيات وبداية ستينيات القرن الماضي كانت القضية الفلسطينية تشهد مخاضا عسيرا، حيث حدثت وقتئذ وحدة بين مصر وسوريا عام 1958 ضد إسرائيل، وفي ديسمبر 1959 كان عبد الكريم قاسم الضابط العسكري العراقي الذي أطاح بالنظام الملكي في العراق قد دعا إلى إنشاء “جمهورية فلسطين العربية” في المنطقة الأردنية من فلسطين والضفة الغربية، بينما أعلن القائد والرئيس المصري جمال عبد الناصر في مارس 1960 عن إنشاء اتحاد وطني فلسطيني باسم “الاتحاد القومي الفلسطيني”.

في هذا السياق، اختار حكام دولة الجزائر المُستحدثة استغلال القضية الفلسطينة من أجل جلب تعاطف الدول العربية معهم، وصمموا راية الجزائر باستعمال اللونين الأخضر والأبيض اللذين يميزان راية فلسطين، مع إضافة الهلال الذي تتوسطه النجمة الخماسية. وحين خلقوا رفقة القائد العسكري الليبي الراحل معمر القذافي منظمة البوليساريو في سنة 1975 صنعوا لها راية في نفس شكل الراية الفلسطينية، إذ اكتفوا بإضافة الهلال الذي تتوسطه النجمة الخماسية داخل علم  فلسطين، محاولين جعل قضية الصحراء المغربية مماثلة للقضية الفلسطينية من حيث البروباغندا.

هكذا هي حكاية دولة الجزائر من الناحية التاريخية، وحكاية منظمة البوليساريو الإرهابية التي أراد النظام الجزائري أن يجعلها قسرا وتعسفا شبيهة بمنظمة التحرير الفلسطينية، محاولا بذلك أن يخلط الأوراق ويمارس البروباغندا الفارغة لنيل عطف البلدان العربية، التي تعلم علم اليقين أن النظام الجزائري يمارس التغليط، وأن القضية الفلسطينية بالنسبة إليه مجرد سجل تجاري لممارسة الابتزاز السياسي. وهذا ما كان.

*كاتب/ صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *