*طلحة جبريل

 

تقول الأرقام، والأرقام دائماً عنيدة، إن قراءة الكتب في تراجع مستمر. سمعت من بائع كتب في شارع محمد الخامس  بالرباط أن التراجع بدأ منذ عام 2004.

ربما تكون أرقام قراء العربية في بلاد الشتات أفضل، لكن الأرقام هناك ستكون أيضاًَ خادعة، خاصة بالنسبة لأولئك الذين أصبحوا جزءاً من المجتمعات التي نزحوا إليها، إذ لا يمكن أن نتحدث عن الجيل الثاني في أميركا أو أستراليا باعتباره جزءاً من الديسابورا العربية.

 أكثر الكتب رواجاً لا يتجاوز عدد مبيعاتها بضعة آلاف في معظم الأحيان، أين نحن من أرقام توزيع كتب الصحافي الأميركي بوب ودورد. أتذكر أن كتابه “ الخوف.. ترامب في البيت الأبيض” باع في اليوم الأول ازيد من مليون نسخة.

من عالمنا الممتد من الماء إلى الماء ،سأتحدث عن أشهر كتب  الطيب صالح وكان صديقاً عزيزاً عليه الرحمة.أتذكر أنني سمعت مرة من صاحب “دار العودة” في بيروت التي شرعت في طباعة “موسم الهجرة إلى الشمال” منذ عام 1966، أن أقل منطقة وزعت فيه الرواية هي الدول العربية. ولم يتقاض الكاتب منها شيئاً، وهذه حقيقة أعرفها جيداً. إذ إن معظم مداخيل الكاتب من الرواية كانت من الطبعات الأجنبية، ومن الترجمة الألمانية تحديداً التي بيع منها أعداد فلكية.

 يقول بعض الناس إن الانترنت أتاح إمكانية تحميل بعض الكتب، وهي لا تدخل ضمن الإحصائيات المشار إليها، لكن هذا الأمر تعوزه الحجة، إذ إن انتشار الانترنت ما يزال  متواضع جداً،  ثم إنني سمعت وفي أكثر من مرة من يعملون في مقاه للانترنت يقولون إن زبائنهم نادراً ما يبادرون إلى تحميل كتب.

لكن لماذا لم تعد أمة أقرأ، تقرأ؟

 أظن أن الأسباب متعددة .بداية المناخ  السياسي السائد لا يشجع على القراءة والكتابة. القراءة والكتابة لا يمكن أن تزدهر إلا في ظل مناخ حريات كاملة.  هناك أيضاً القدرة الشرائية وانعكاساتها المقلق على جانب الثقافة، إذ إن الناس تشغلها ليل نهار ستة أمور. ماذا تأكل؟ كيف تتنقل؟ أين تسكن؟ كيف تتعالج؟ ماذا تلبس؟ كيف يدرس الأبناء؟

 أمر آخر له علاقة بظروف النشر والتوزيع، وهذه حكاية طويلة، المؤكد أنه لا توجد دور نشر قادرة على تحمل نفقات طباعة كتب، ثم عليها بعد الطباعة أن تنتظر سنوات حتى تحصل على عائدات . ثم هناك مسألة المنظومة التعليمية، التي لا تشجع الطلاب على القراءة  ومن ذلك حشو ذاكرة الصغار بدروس وأمور لا معنى لها على الإطلاق، تقود في كثير من الحالات إلى التعصب والجهل.

عندما يمشي الجهل في الطريق حتماً سيلتحق به التعصب .

*كاتب صحفي وأكاديمي في الصحافة والإعلام

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *