*يونس مسكين 

 

لا يمكن إلا لجاحد أو جاهل أن ينكر أهمية الخطوة التي قامت بها إسبانيا أخيرا، والمتمثلة في دعم المقترح المغربي بمنح الصحراء حكما ذاتيا. 

الخطوة تطور هام وحيوي في مسار ملف الصحراء. صحيح أن إسبانيا ليست عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي، ولا تملك تأثيرا دوليا يقارن ببعض القوى الدولية الكبرى، لكنه تحول مهم جدا باعتبارها المستعمر السابق للصحراء، وكلمتها من هذا الموقع مسموعة ومؤثرة، بل قد تكون مرجعية بالنسبة لبعض القوى الدولية، إلى جانب كونها عضو في مجموعة أصدقاء الصحراء التي تعد قرارات مجلس الأمن الدولي، وواحدا من المعاقل التي يتحرك فيها بشكل مكثف خصوم المغرب من حاملي أجندة الانفصال (اقتناعا أم ارتزاقا؟ لا يهم).

التحول الذي أعلنت عنه إسبانيا في رسالة موجهة من رئيس حكومتها إلى الملك، يؤكد وجود عملية تفاوض كبيرة جرت على أعلى مستويات الدولتين، والعنصر الذي يبدو أنه حسم هذا التفاوض الطويل (هم وضعية مدينتي سبتة و مليلية الاقتصادية والهجرة والأمن و…)، هو تحريك ورقة كطالونيا من طرف المغرب، بعد إعلان “الحكومة المنفتحة في كتالونيا” (حكومة انفصالية)، اعتزامها افتتاح مندوبيات حكومية جديدة في أوروبا وإفريقيا وأمريكا وآسيا خلال هذا العام 2022، على أن تكون الرباط واحدة من هذه الوجهات الجديدة لتمثيليات هذه “الحكومة”.

المغرب لم يعلن قبوله احتضان هذه التمثيلية، لكن لا شك أن مبادرة الانفصاليين الكطلان إلى إعلان هذه الخطوة لم تتم إلا بعد أن تلقوا إشارات مغربية بإمكانية قبول الطلب، وهو ما يشير إلى وجود “لعب” على مستوى عال من الاحترافية والدهاء من الجانب المغربي في هذا الخصوص. 

ما حصل في الأسابيع والأيام الأخيرة يؤكد وجود هذا النزال رفيع المستوى بين المملكتين، حيث كان رئيس الحكومة الإسبانية، سانشيز، الذي يتم الاحتفاء به اليوم في المغرب، يستقبل قبل بضعة أيام بشكل رسمي زعيم جبهة البوليساريو في بروكسيل، على هامش قمة أوروبية-إفريقية، شاركت فيها البوليساريو باعتبارها عضوا في الاتحاد الإفريقي.

الهدوء والعقلانية اللذان تعامل بهما المغرب مع هذا الاستقبال، يؤكدان وجود اختيار بخوض لعبة الشطرنج بكل ما تتطلبه من نفس طويل وهدوء وعقلانية وتجنب للأخطاء، وهو ما أثمر اليوم هذا الاختراق الكبير في الموقف الاسباني في قضية الصحراء.

ولمن كانت ذاكرته لا تسعفه، فإن قصاصات الأخبار المسجلة في الأرشيف المفتوح ما زالت تتضمن خبر الأوامر الملكية الصادرة بداية صيف العام 2021، والقاضية بإعادة القاصرين المغاربة “الذين لا يوجد معهم مرافق ودخلوا الاتحاد الأوروبي بطريقة غير شرعية”. 

هذا القرار كان في حقيقة الأمر يصحح خطأ الرعونة التي حاول البعض استدراجنا اليها، على خلفية عملية الاقتحام الجماعي التي جرت لمدينة سبتة المحتلة، وتخللتها مشاهد مخزية لأطفال مغاربة سبحوا نحو المدينة في مشاهد مؤلمة. 

هذه الحادثة كانت قد تسببت في أزمة فاقمتها تصريحات مسؤولين مغاربة كانت تستبطن دعم وتأييد ما حدث على اعتبار أن المغرب “ليس دركي أوربا…”، وهو ما جر علينا تصويتا قاسيا من جانب البرلمان الاوربي على قرار يدعم إسبانيا في مواجهة المغرب.

محتوى الرسالة التي وجهها رئيس الحكومة الإسبانية لملك المغرب، كما كشفه بلاغ الديوان الملكي، يكشف في الحقيقة عن طبيعة المطالب المغربية وطبيعة التفاوض الذي جرى قبيل إعلان هذا الانفراج، حين تتحدث الرسالة عن احترام إسبانيا “على الدوام التزاماتها وكلمتها”، وخاصة عندما ينتهي بلاغ الديوان الملكي بالإشارة إلى تأكيد سانشيز أن الخطوة جاءت “من أجل ضمان الاستقرار والوحدة الترابية للبلدين”.

*كاتب صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *