*يونس التايب

أحداث العنف التي شهدها ملعب كرة القدم بالمجمع الرياضي مولاي عبد الله، خلال نهاية الأسبوع الماضي، تستدعي الاستنكار و التنديد المطلق، وتستوجب التفاعل العقلاني وفق مقاربة شمولية من شقين:

1- الشق الآني، المتمثل في تطبيق القانون بشكل صارم ضد المخالفين، جزاء لهم على مارسوه من عنف له طابع إجرامي لا نقاش فيه. و قد رأينا كيف ثم الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، و الاعتداء على عناصر القوات العمومية، و هي أمور لا يمكننا القبول بها أو الصمت إزاءها، تماما كما لا يمكن قبول أن يتعرض مواطنون كانوا متواجدين بالملعب لمشاهدة مباراة رياضية، أو مارين بالقرب من الملعب لقضاء أغراضهم، لأعمال عنف و ترهيب من قبل شباب خارجين عن السيطرة، و ربما عن وعيهم.

و في هذا الصدد، جيد جدا أن النيابة العامة بادرت إلى القيام بالمتعين بشكل فوري.. و الآن، الملف بين يدي العدالة التي ستقضي بما تراه مناسبا. و سيكون مفيدا التواصل بشكل كبير حول الأحكام التي سيصدرها القضاء، كي يصل صداها إلى أوسع نطاق، و يسمع بها كل من قد تسول له نفسه الاعتقاد أن بإمكانه أن “يعربط” و يعتدي على الناس، و على ممتلكاتهم، دون خوف من العقوبة.

2 – الشق الاستراتيجي، المتمثل في ضرورة أن تنكب المصالح و القطاعات العمومية المعنية بقضايا الشباب، و معها مراكز البحث في علم الاجتماع و علم النفس، على تحليل ظاهرة عنف و جنوح فئة عريضة من الشباب، بغرض تشخيص الظاهرة في السياق الزمني الحالي، و الاقتراب من الأسباب التي تغذي العنف الذي وثقته الكاميرات، و الاشتغال على بلورة حلول لتفكيك العوامل التي تؤدي إلى انفجار ممارسات عنيفة، يمكن أن تتكرر في أشكال مماثلة، في مواقع و مناسبات أخرى.

في هذا السياق، لا بد أن نستحضر أحداث عنف شبيهة بما جرى يوم الأحد، سبق أن حدثت في زمن الحكومة السابقة. و للأسف، لم يتم حينها، تسجيل أي تفاعل مبادر من الآليات المؤسساتية المتخصصة في قضايا الشباب، و الشأن الاجتماعي و التربوي عموما. و هو ما يطرح أسئلة حول أسباب عدم مبادرة القطاعات المعنية إلى التحرك في عدد من النقط السوداء التي تتميز بمظاهر اجتماعية تمتزج فيها الهشاشة بممارسات أخرى، لا يمكن القبول بها أو التعاطي معها بسلبية.  وسيبقى أهم الأسئلة هي معرفة ما إذا كان عدم تحرك المؤسسات العمومية المعنية، كان سببه هو عدم توفر القدرة التقنية لدى تلك القطاعات، في زمن التدبير السابق ؟ أم أننا كنا أمام غياب إرادة الفعل المسؤول، و الحامل لروح وطنية تحرص على حل مشاكل الواقع كي لا تتفاقم؟

أملي أن يتم، في المرحلة الجديدة، التعاطي مع حالات الشغب و جنوح الشباب بشكل يمزج بين ديناميكيتين:

– من جهة، ضرورة فرض قوة القانون و ردع أي مس بهيبة ممثلي القوات العمومية، أو اعتداء على الممتلكات العامة و الخاصة. و هو ما تسهر عليه باقتدار  يقظة مؤسسة النيابة العامة، و المصالح الأمنية و السلطات العمومية.

– من جهة ثانية، ضرورة تفعيل المؤسسات و القطاعات العمومية المعنية بملفات الشباب و الشأن الاجتماعي عموما، لتقوم بمهامها بشكل جاد و استباقي، و تشجيع ممارسات احترافية للمجتمع المدني المشتغل بقضايا الإدماج و التنمية الاجتماعية، من أجل إبداع تشاركي لأشكال جديدة و ناجعة من التدبير، تتعاطي مع موضوع جنوح الشباب مع الأخذ بعين الاعتبار ما يرتبط به من معطيات حساسة، خاصة في المجالات الجغرافية الهشة الغارقة في المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية و التربوية.

نحن مؤتمنون على مصالح وطننا ومسؤولياتنا هي أن نحمي مجتمعنا، و في القلب منه شباب وطننا. لذا، مطلوب في المرحلة المقبلة، تعزيز قنوات التواصل مع الشباب و عصرنة طرق اشتغالها، و تشجيع الآليات المؤسساتية للإنصات إليهم، و تقوية ديناميكية التوجيه و المواكبة لتقوية قدرات الشباب على الاندماج. 

بذلك، فقط، يمكننا أن نكسر الديناميكية الخطيرة لتحول شبابنا من وضع الانقطاع عن الدراسة، و العطالة و عدم الاندماج الاجتماعي و الثقافي و المعرفي، إلى وضع يصبح فيه شبابنا فاقدين تماما للبوصلة، بشكل يسهل معه السقوط في مستنقع العنف و عدم الانضباط للقانون، و الاستهتار بكل القيم، و اعتماد اللامبالاة كممارسة اجتماعية دون خوف من العواقب…

*خبير في السياسات العمومية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *