رشيد نيني

اندلعت الحرب الروسية الأمريكية والذي توجد أوكرانيا وسطها رهينة، لكي نكتشف أن لدينا عشرة آلاف طالب يدرسون في جامعات هذا البلد لأنهم لم يجدوا مقاعد للدراسة في جامعات الطب المغربية العمومية والخاصة.

كان ضروريا أن يطلق الطلبة المغاربة نداء الاستغاثة لكي ننتبه إلى أنه لدينا عشرة آلاف طالب في أوكرانيا ومثلهم في روسيا وحوالي خمسة آلاف موزعة ما بين تونس والسنغال وكل طالب يكلف عائلته سنويا ما يزيد عن 15 مليون كرسوم الدراسة تخرج بالعملة الصعبة من المغرب.

وعلى العكس مما يتخيله البعض فليس كل من يدرس بروسيا وباقي دول الخارج أهله أغنياء. وليس كل من يدرس بالخارج فاشل حاصل على بكالوريا بميزة مقبول. فهناك طلبة حاصلين على البكالوريا علوم بميزة مستحسن يدرسون الهندسة المعمارية والطب بجامعات روسيا وأوكرانيا يكلفون 48000 درهم سنويا شاملة جميع مصاريف الدراسة والاقامة والتغذية وحتى التغطية الصحية، وهو مبلغ لا يغطي حتى مصاريف الدراسة بالجامعة الدولية أو جامعة محمد السادس أو المدرسة العليا للهندسة المعمارية بالدار البيضاء.

إننا نعيش وضعا متناقضا، فمن جهة لدينا أطباء يتخرجون بالآلاف من جامعات روسيا وأوكرانيا وتونس والسنغال عليهم وضع طلبات معادلة شواهدهم وانتظار سنتين على الأقل للحصول على المعادلة فيما دول أوربية أخرى تقبلهم شريطة أن يتقنوا لغة البلد فقط ، وهناك من جهة أخرى خصاص مهول في الأطباء. هذه التعقيدات دفعت بالمئات من طلبة الطب المغاربة الهاربين من أوكرانيا اللجوء إلى ألمانيا التي رحبت بهم واقترحت عليهم تصاريح إقامة صالحة لسنتين قبل الاندماج في سوق العمل. 

والنتيجة هي أنه لدينا اليوم حوالي 300 طبيبا يغادرون سنويا مستشفيات المغرب نحو الخارج. هناك اليوم وحدات طبية تم افتتاحها وظلت مغلقة لعدم توفر موارد بشرية، وبينما يتزاحم آلاف المرشحين لدفع طلباتهم لاجتياز مباريات المؤسسات العمومية نرى كيف أن مباريات التوظيف في الصحة العمومية لم يعد يهتم بها سوى القليل من الأطباء، فتعرض الوزارة مثلا ألف منصب فلا يتقدم سوى خمسمائة مرشح. ومن شدة النزيف الذي يعرفه القطاع الصحة خمنت وزارة التعليم العالي أن قرار تخفيض سن التكوين في التخصصات الطبية من سبع سنوات إلى ستة سيسرع عملية سد الخصاص.

ويمكن أن يرى البعض في هذا القرار إضرارا بقيمة شواهد الطب وضربا لجدية التكوين، لكن المشكل الحقيقي ليس هنا، فهناك دول أخرى لديها تكوين من ست سنوات عوض سبعة، لكن الطبيب يبدأ مشواره المهني براتب لا يقل عن ستة آلاف أورو. أما عندما فقد أصبحت الموضة هي التوجه نحو التخصصات المدرة للدخل في المجال الطبي، كالجراحات التقويمية وطب الأسنان.

الحل إذن هو رفع الرواتب والتعويضات والتحفيزات لكي يصبح عمل الأطباء في المغرب ذو جاذبية، غير هذا سيستمر النزيف وسنضطر إلى استيراد الأطر الطبية من الخارج وسندفع لهم رواتب تعادل ما هو متعارف عليه في السوق العالمية. 

وعوض أن يستمر نزيف العملة الصعبة التي تخرج لدفع مصاريف دراسة حوالي ثلاثين ألف طالب طب في أوكرانيا وروسيا وتونس والسنغال سيكون على الدولة أن تشجع المستثمرين لبناء كليات طب خصوصية خصوصا في أكادير والصحراء والشمال والشرق.

لقد ضيع لوبي الأطباء المتنفذين الذين كانوا يريدون أن يحتكروا منهة الطب لهم ولأبنائهم سنوات ثمينة على المغرب عندما عرقلوا صدور قانون جامعات الطب الخاصة، ولذلك علينا استدراك الوقت الضائع.

سيقول قائل ومن أين لنا بالبروفيسورات والأساتذة الجامعيين الذين سيدرسون في هذه الكليات ؟

الجواب سيكون هو التعاقد مع أساتذة وبروفيسورات أجانب من الصين وكوبا والهند والدول التي تصدر الأطباء إلى مختلف دول العالم.

عندما نتحدث عن موضوع التكوين الطبي ونزيف هجرة الأطباء فلأن الموضوع خطير جدا ويرهن نجاح مشروع التغطية الصحية الشاملة بالمغرب. فماذا سينفع أن تكون لديك بطاقة تغطية صحية إذا ذهبت إلى المستشفى ولم تجد من يعالجك ؟

علينا أن نأخذ الدراسة التي أعدتها الأستاذة ناني بكلية الطب والصيدلة بالدار البيضاء والتي انتهت إلى خلاصة مخيفة حول إنتشار الهجرة بين طلبة السنة الختامية في الطب، فقد خلصت الدراسة إلى أنه لدينا طبيب واحد بالمغرب مقابل ثلاثة أطباء خارج البلاد.

الاهداف من هذه الدراسة هو معرفة نسبة إنتشار الهجرة بين طلبة السنة الختامية في الطب و معرفة مواصفاتهم.

دراسة التي من أهدافها معرفة نسبة انتشار الهجرة بين طلبة السنة الختامية في الذي خلصت إلى أنه ضمن 251 طالب طبيب 71,1% من طلبة السنة الختامية ينوون الهجرة.

وأسباب الهجرة في الغالب وراءها الرغبة في تكوين ذو جودة بنسبة 97,6% ، ولظروف عمل أحسن بنسبة  99% ، ومن أجل حياة أفضل بالنسبة 97,2% .

ثم إن هؤلاء الطلبة مهتمون بالهجرة للخارج لأنهم غير راضين عن تكوينهم بالمغرب بنسبة 95,2%، ولأنهم غير راضين عن الراتب بنسبة 97%، وهناك سبب آخر وراء الرغبة في الهجرة هو الاحتقار والتقليل من شأن الطبيب في وسائل التواصل الاجتماعي بنسبة 83،6%.

والمثير في الدراسة هو أنه لا توجد أية علاقة بين انتشار حلم الهجرة ووضعية الطلبة الاجتماعية والمادية.

وهذا يعني شيئا واحدا وهو أن الحل يوجد بين أيدي صانعي السياسات العمومية في ميدان الصحة، وهو أن يحسنوا ظروف العمل، وأن يستثمروا في جودة التكوين وأن يقدوا رواتب مغرية للأطر الصحية.

إن الجوائح التي دخلنا عصرها هي حروب الحاضر والمستقبل، وهذه الحروب تتطلب جنودا بدونهم ستنهار المنظومة الصحية وسينهار الاقتصاد، وهؤلاء الجنود هم الأطر الطبية. ولو كانت لدينا منظومة صحية متماسكة وجيدة لما احتاجت الدولة لكل هذا التشدد في الاجراءات الاحترازية والإغلاقات التي هدت اقتصاد البلد.

فلنتدارك الأمر قبل فوات الأوان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *