*الهزيتي محمد أنوار 

                                                                                                                          

1- السياق العام

لقد أصبحت التنمية الترابية شأنا للمجتمع بكافة مكوناته وليس فقط للدولة لوحدها. ويرجع السبب في ذلك بسياق جديد عرف ظهور مجتمع متشبع أكثر بقيم الحرية والمشاركة في تدبير الشأن العام مع تصاعد الدور الكبير لمنظمات المجتمع المدني ومجموعات الضغط كفاعلين رئيسيين في المنظومة التنموية. بل أصبحت إحدى البدائل لأزمة التدبير المركزي للشأن التنموي.

إن اختيار المغرب حاليا للتنمية الترابية بدل التنمية المحلية لم يأت اعتباطيا، بل هو نتيجة لسياق العولمة والذي حول تراب التدخل التنموي من تراب معرف ومحدد إداريا إلى تراب مؤسس بعلاقته مع كل الفاعلين في الميدان التنموي. ولهذا نهجت الدولة عبر السلطة الحكومية المكلفة بإعداد التراب الوطني والتعمير مقاربة المشروع الترابي وليس تراب المشروع المبني على توطين السياسات القطاعية على الوحدات الإدارية للدولة.

على الصعيد الوطني، فالمغرب انخرط بشكل تصاعدي في نفس النهج وخاصة ابتداء من سنة 2000، وهو تاريخ تنظيم الحوار الوطني حول إعداد التراب ثم المصادقة على التصميم الوطني وميثاق إعداد التراب. وقد تمت تقوية هذا المسلسل بتنظيم الدورة الأولى للمجلس الأعلى لإعداد التراب تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك محمد السادس.

ومنذ تلك الفترة وبحكم تبني المغرب لسياسة الجهوية، انطلقت عملية تغطية جهات المغرب بالمخططات الجهوية لإعداد التراب بشراكة مع مجالس الجهات. وذلك بناء على ثلاث ركائز أساسية: الانفتاح على الأسواق، وضع ميكانيزمات جديدة للحكامة تدمج فاعلين آخرين غير مؤسسات الدولة وأخيرا، توفير موارد خاصة عن طريق نهج آليات جديدة كآلية التعاقد.

وابتداء من سنة 2011، شكل الدستور الجديد انطلاقة جديدة لتقوية آليات التنمية الترابية والجهوية عبر:

  • التأكيد على ريادة الجهة مقارنة مع المستويات الترابية الأخرى.
  • نهج سياسة واسعة للاتمركز الإداري مبني على نقل الاختصاصات التقريرية إلى مستويات التدبير الترابية.
  • تعميم وإجبارية آليات التخطيط الترابي في المستويات الترابية الثلاث (الجهةوالإقليموالجماعة).
  • وضع وتقنين آليات جديدة للتمويل على الصعيد الجهوي (صندوق التضامن بين الجهات وصندوق تأهيل الجهات).
  • تقوية التعاون بين الجماعات الترابية وكذلك سياسة التعاقد.
  • إحداث آليات للديمقراطية التشاركية بالمستويات الثلاث.

ورغم هذه التطورات وبفعل عوامل أخرى معقدة مرتبطة أساسا بنظم الحكامة، فإن النموذج التنموي وطنيا وترابيا لم يصل إلى النتائج المتوخاة من كل الإصلاحات التي عرفها المغرب وهذا ما دفع أعلى سلطة في هرم الدولة جلالة الملك على في عدة مناسبات إلى انتقاد النموذج التنموي للمغرب ومؤكدا على إعادة النظر وتقوية التنمية الترابية. ونفس الشيء أثير في تقارير دولية حديثة كتقرير البنك الدولي: المغرب 2040 وتقرير التحليل المتعدد الأبعاد لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وتقرير الثروة العامة للمغرب للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب.

ومن هذا المنطلق وتبعا للسياق الحالي للعولمة والانفتاح على الأسواق، فإن معظم الفاعلين في الميدان التنموي وصلوا إلى نتيجة وهي أن التراب هو مركز الثقل للفعل التنموي وتسريع النمو وبالتالي فالتراب يصبح عند إذ الإطار الأمثل للتدخلات العمومية.

ونتيجة لكل ما سبق، فإن التنمية الترابية في المغرب تواجه مجموعة من التحديات:

  • تحدي مؤسساتي مرتبط بتحول أدوار الدولة وحصرها في مهام الضبط والتوجيهوالاستراتيجية مع تقوية اللامركزية واللاتركيز. ويتطلب ذلك مواكبة الجماعات الترابية في إحداث وإبداع ووضع مشاريع ترابية مع عقلنة وتجميع للموارد البشرية والمالية،
  • تحدي التكامل بين مختلف مستويات التدخلات الترابية من اجل تجنب التنافسية السلبية وعقلنة الإمكانيات.
  • تحدي الحكامة وذلك بوضع آليات الحكامة كما هو متعارف عليها وخاصة في جانب الديمقراطية التشاركية. وهذا ما سيقوي الشفافية في التدبير وتقوية ثقة المواطنين.

2- مؤسسة المفتشية الجهوية في السياسية العمومية لإعداد التراب والتعمير

لقد تم إحداث المفتشيات الجهوية للتعمير والهندسة المعمارية سنة 1993، والتي بلغ عددها في أول الأمر سبعة تبعا لتقسيم الجهوي بمقتضى ظهير 16 يونيو 1971 ليتحول عددها إلى 16 مفتشية تبعا للتقسيم الجهوي الجديد. وقد كانت في أول الأمر تابعة لوزارة الداخلية حيث أنيطت بها مجموعة من الاختصاصات بمقتضى قرار وزير الداخلية والإعلام رقم 491-93 الصادر في 24 من شعبان 1413 موافق 16 فبراير 1993.

ابتداء من الألفية الثالثة، أصبحت المفتشيات تابعة وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان، حيث أصبحت تضطلع بمهام التنسيق بين مكونات الوزارة على المستوى الجهوي، كما توضح ذلك دورية وزير إعداد التراب الوطني والبيئة والتعمير والإسكان عدد 2001 بتاريخ 27 يوليوز 2000 محافظة على أبرز المهام التي كانت منوطة بها في ميدان التخطيط العمراني، بالإضافة إلى أنها أصبحت تترأس اللجنة المركزية المتعلقة بتصاميم التهيئة، هذه اللجنة التي لم تعد تنعقد على المستوى المركزي إضافة إلى مهام جديدة متعلقة بالبيئة.

هذا وقد لعبت المفتشيات الجهوية كذلك دورا أساسيا على مستوى التخطيط العمراني في المناطق الخارجة عن نفوذ تدخل الوكالات الحضرية التي لازالت لم يتم تعميمها بعد على الصعيد الوطني، حيث أوكلت للمفتشيات مهام الوكالات الحضرية في المناطق المذكورة على مستوى وثائق التعمير من حيث إعداد الدراسات اللازمة لإعداد المخططات التوجيهية وتحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية.

وخلال سنة 2015، وبعد مدة من غياب هيكل تنظيمي للمفتشيات الجهوية، تمت المصادقة على قرار لوزير التعمير وإعداد التراب الوطني رقم 15-4274 الصادر في 24 من شعبان 1436 (12 يونيو 2015) بتحديد اختصاصات وتنظيم المصالح اللاممركزة لوزارة التعمير وإعداد التراب الوطني.  وقد حدد هذا النص التنظيمي الوحدات الإدارية المونة للمفتشيات الجهوية ثم الاختصاصات المسندة إليها.

بالنسبة للوحدات الإدارية تم إحداث خمس مصالح تحت إشراف المفتش الجهوي:

  • مصلحة إعداد التراب الوطني والتنمية الترابية.
  • مصلحة المرصد الترابي.
  • مصلحة التعمير والهندسة المعمارية.
  • مصلحة التنسيق والتتبع.
  • مصلحة الشؤون الإدارية.

وفيما يتعلق بالاختصاصات المسندة للمفتشيات الجهوية، يمكن توزيعها على خمسة أقسام:

*1 تمثيل السلطة الحكومية المكلفة بإعداد التراب الوطني والتعمير والهندسة المعمارية على المستوى الجهوي.

  • تمثيل الوزارة في أشغال الاجتماعات التي تنعقد على المستوى الجهوي والإقليمي عندما يتعلق الأمر بقضايا تدخل في مجالات التعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني؛
  • القيام بمهام التنسيق وتتبع أعمال المؤسسات الخاضعة لوصاية الوزارة، ورفع تقارير سنوية بشأن ذلك إلى المصالح اللاممركزة؛
  • تتولى المفتشية الجهوية مهام كتابة اللجنة الاستشارية لإعداد التراب طبقا للمادة 6 من المرسوم رقم 2.17.583 الصادر في 28 شتنبر 2017، والمتعلق بتحديد مسطرة اعداد التصميم الجهوي لإعداد التراب وتحيينه وتقيمه.
  • تتبع تطبيق مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل في مجال اختصاص الوزارة والمساهمة في تقييمها ولفت انتباه الجهات المعنية إلى الاختلالات الملاحظة كي يتأتى اتخاذ التدابير اللازمة؛
  • رئاسة أشغال اللجان المركزية المكلفة بالبت في تعرجات المواطنين واقتراحات المجالس الجماعية فيما يتعلق بوثائق التعمير، بتفويض من السلطة الحكومية المكلفة بالتعمير، والتحضير لها بتنسيق مع الوكالات الحضرية المعنية؛

*2 المساهمة في مجال الاستشراف الترابي:

  • المساهمة في وضع الاستراتيجيات الجهوية للتنمية ولاسيما في مجالات التعمير والهندسة المعمارية وإعداد التراب الوطني والتنمية المجالية، وتتبعها وتقييم نتائجها؛
  • اقتراح مختلف الوثائق والدراسات الاستراتيجية للتخطيط والتنمية الجهوية والمحلية والمساهمة في إعدادها؛
  • إعداد الدراسات الحضرية التي من شأنها كشف معيقات التنمية الحضرية؛
  • الحث على تطبيق الوثائق المرجعية لإعداد التراب وتأطير السياسة التعميرية بالجهة؛
  • المساهمة في تحديد الحاجيات في مجال الدراسات المتعلقة بالتعمير وبرمجة المراكز والمجالات التي تتطلب تغطيتها بوثائق التعمير، وذلك بتشاور مع الجماعات الترابية والوكالات الحضرية المعنية؛
  • المساهمة في تحديد العقارات التابعة لملك الدولة العام القابلة للتعمير خاصة لإقامة برامج تنموية كبرى؛
  • القيام بالدراسات المتعلقة بالظواهر التي تستدعي عناية خاصة في مجال الدينامية الحضرية والتعمير القروي (معايير الهندسة المعمارية القروية، وطرق البناء الخاصة …)؛
  • المساهمة في تتبع الدراسات المتعلقة بإعداد المواثيق المعمارية والمشهدية وكذا الدراسات الرامية إلى إثبات الطابع المعماري الجهوي والمحلي؛. التنشيط الترابي:
  • تنشيط الأعمال المتعلقة بإعداد التراب والتنمية المجالية والتعمير والهندسة المعمارية والعمل على تنسيقها؛
  • السهر على انسجام المشاريع المهيكلة مع التوجهات الاستراتيجية المحددة بوثائق إعداد التراب والتعمير؛
  • تتبع الديناميات المجالية والعمل من أجل استباق التحولات على المستوى الجهوي استنادا إلى الدراسات والتحاليل الاستشرافية؛
  • دعم وتشجيع المشاريع الترابية ومواكبتها والسهر على ضمان تجانسها مع توجهات وثائق إعداد التراب؛
  • المساهمة في تقديم الدعم والمساعدة التقنية والتأطير للجماعات الترابية والفاعليين المحليين في مجال إعداد التراب الوطني والتعمير والهندسة المعمارية؛

*4 الرقابة والتتبع:

  • تحرير بيانات دورية للأعمال المنجزة وإعداد تقارير خاصة بوضعية التعمير وإعداد التراب الوطني والبناء غير القانوني؛
  • المساهمة في أعمال المراقبة ومعاينة المخالفات لمقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية المعمول بها؛
  • دراسة الملفات والبت في الشكايات المتعلقة بمدى مطابقة القرارات المتعلقة بالتعمير والتدبير الحضري للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل؛
  • معالجة الشكايات والمنازعات وتتبعها؛
  • بحث كل طلب يرفع إليها؛

*5 تدبير اختصاصات الموارد البشرية والمالية المفوضة للمفتش الجهوي:

  • تدبير الموارد البشرية والمالية والسهر بتنسيق مع المصالح المركزية على تنفيذ برامج التكوين المستمر.

3- التحديات الكبرى لعمل المفتشية الجهوية في السياسية العمومية لإعداد التراب والتعمير

التحدي الأول التغييرات المؤسساتية الأخيرة التي عرفها المغرب

  • إحداث وزارة الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية

حدد مشروع المرسوم رقم 2.21.992 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة الاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية اختصاصات الوزارة في مجال التقائية وتقييم السياسات العمومية كالتالي:

إعدادالسياسة الحكومية في مجال التقائية وتقييم السياسات العمومية والسهر على تنفيذها بتنسيق مع السلطات الحكومية والهيئات المعنية؛

تقييم مدى انسجام السياسات العمومية مع الاستراتيجيات القطاعية والسهر على تنسيق وتطوير آلياتالالتقائية والتقييم؛

ضمان اليقظة الاستراتيجية في مجالات التقائية وتقييم السياسات العمومية.

وإذا أخدنا بعين الاعتبار أن دعم التقائية واندماجية السياسات العمومية بتنسيق مع القطاعات الوزارية المعنية هو أحد الاختصاصات المسندة لقطاع إعداد التراب الوطني والتعمير بموجب المرسوم رقم 478-14-2 الصادر في 8 أغسطس 2014 بتحديد اختصاصات وتنظيم وزارة التعمير وإعداد التراب الوطني، فإن هذه الوضعية ستشكل نوعا من المنافسة في مجالات الاختصاص وستتطلب إعادة تموقع القطاع وتطوير مجالات تدخله قصد خلق نوع من التكامل مع اختصاصات القطاعات الأخرى.

  • على المستوى اللاممركز وخاصة الجهوي منه

أحدث إصدار المرسوم رقم 618-17-2 الصادر في 26 ديسمبر 2018بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري توجهات جديدة في إعادة الهندسة المؤسساتية لإدارات الدولة على المستوى اللاممركز. وترتكز هذه الهندسة على مرتكزين رئيسيين:

الجهة باعتبارها الفضاء الترابي الملائم لبلورة السياسة الوطنية للاتمركز الإداري، بالنظر لما تحتله من صدارة في التنظيم الإداري للمملكة، بما يجعلها مستوى بينيا لتدبير العلاقة بين الإدارات المركزية للدولة وبين تمثيلياتها على المستوى الترابي؛

الدور المحوري لوالي الجهة، باعتباره ممثلا للسلطة المركزية على المستوى الجهوي، في تنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة، والسهر على حسن سيرها ومراقبتها، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بما يحقق النجاعة والفعالية والالتقائية المطلوبة في تنفيذ السياسات العمومية على مستوى الجهة وتتبعها.

من جهة أخرى، وحسب المادة 12 من المرسوم يعتبر رؤساء التمثيليات الإدارية الجهوية، مسؤولين عن تدبير المصالح التابعة لهم على مستوى الجهة، وسلطة رئاسية بالنسبة لرؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية التابعة لهم على مستوى العمالة أو الإقليم.

إلا أن الجديد في مقتضيات المرسوم والذي له علاقة تأثير مباشر بتموقع المفتشية الجهوية على المستوى الجهوي، فهو مرتبط بالآليات المحدثة بمقتضى المادتين 30 و33 من المرسوم.

فالمادة 30 متعلقة بإحداث اللجنة الجهوية للتنسيق تحت رئاسة والي الجهة، تناط بها مجموعة من المهام ولا سيما:

-1 العمل على انسجام والتقائية ووحدة عمل المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي؛

-2 العمل على تحقيق الانسجام والالتقائية ما بين السياسات والبرامج والمشاريع العمومية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وبرامج التنمية الجهوية؛

-3 لاإبداء الرأي حول مشاريع السياسات والبرامج العمومية للدولة على المستوى الجهوي؛

-4 مواكبة برامج ومشاريع الاستثمار المقررة وأشغال التجهيز المراد إنجازها على المستوى الجهوي، واقتراح التدابير الكفيلة بتذليل كل الصعوبات التي قد تعترض إنجازها؛

-5 تتبع تنفيذ السياسات العمومية والقطاعية على المستوى الجهوي في ضوء تقارير الكتابة العامة للشؤون الجهوية المنصوص عليها في المادة 33 من المرسوم، وإنجاز تقييمات مرحلية لمستوى تنفيذها؛

-6 دراسة وإبداء الرأي في شأن مشاريع الاتفاقيات والعقود المنصوص عليها في المادة 23 من هذا المرسوم؛

-7 إبداء الرأي بشأن عقود برامج ذات الطابع الجهوي التي تربط الدولة بالمؤسسات العمومية وبالجماعات الترابية لاسيما الجهة؛

-8 دراسة كل قضية من القضايا التي يحيلها إليها والي الجهة والتي تندرج في مجال اختصاصها؛

-9 المصادقة على التقرير السنوي لمنجزات اللجنة واقتراحاتها بشأن تعزيز اللاتمركز الإداري والرفع من نجاعة وفعالية أداء المصالح اللاممركزة على المستوى الجهوي.

أما المادة 33 فتتعلق بإحداث بنية إدارية تحمل اسم “الكتابة العامة للشؤون الجهوية” يرأسها، تحت سلطة والي الجهة، كاتب عام للشؤون الجهوية يعين من قبل وزير الداخلية.

وبالفعل فقد صدر قرار وزير الداخلية رقم 2782-19 بتاريخ 13 نونبر 2019 بإحداث الكتابة العامة للشؤون الجهوية وتم تعيين الكتاب العامين. وقد أحدث ضمن هذه البنية الإدارية قسمين تتقاطع مهامهما مع مهام المفتشيات الجهوية للتعمير وإعداد التراب الوطني وهما:

قسم الدراسات والتتبع والتحديث مكلف بالمساهمة في إعداد وإنجاز الدراسات الضرورية لتحديد حاجيات الجهة والعمل على انسجام والتقائية السياسات العمومية والبرامج الجهوية وإنجازها.

ثم قسم التنسيق الجهوي للتنمية البشرية مكلف بضمان الالتقائية، على مستوى الجهة، للبرامج القطاعية للتنمية البشرية للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية مع برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وفي هذا السياق، وبناء على هذه المستجدات، فالمفتشية الجهوية مطالبة بإعادة تموقع مؤسساتيا ووظيفيا في الهندسة الترابية على المستوى اللاممركز بتركيزها، إضافة إلى المهام المفوضة لها بمقتضى مرسوم الاختصاصات، على مهمتي التنشيط واليقظة الترابيين وهي مهام اكتسبت فيه مؤسسة المفتشية الجهوية خبرات متراكمة وستجعلها أكثر حضورا وأثرا على المستوى المؤسساتي والتنموي.

التحدي الثاني: أجرأة مكونات النموذج التنموي الجديد:

لقد شكل تقرير النموذج التنموي الجديد مقارنة مع التقارير السابقة تحولا نوعيا في مقاربة التشخيص وتحديد أولويات النموذج التنموي. وفي هذا الإطار حدد التشخيص أربع عوائق كبرى مرتبطة بشكل كبير بمهام سياسة إعداد التراب الوطني، علما أن هذه العوائق سبق وأن طرحتها مجموعة من الدراسات والوثائق التي أنجزتها الوزارة منذ التصميم الوطني لإعداد التراب وميثاقه الوطني.

  • غياب تناسق عمودي بين الرؤية والسياسات العمومية المعلنة وغياب الالتقاء الأفقي بين هذه السياسات.
  • بطء التحول البنيوي للاقتصاد.
  • محدودية قدرة القطاع العمومي فيما يخص تصور وتنفيذ السياسات العمومية والخدمات العمومية ذات جودة.
  • الشعور بضعف الحماية وعدم القدرة على التنبؤ الذي يد من المبادرات.

في المذكرات الموضوعاتية التي صاحبت التقرير العام، وضعت مجموعة من الإشكاليات التي يجب أخدها بعين الاعتبار ولا سيما في مجالي التمدن والتخطيط التنموي.

في مجال التمدن يمكن جرد الاختلالات الرئيسية التالية:

  1. تخطيط حضري غير متحكم فيه ولا يخضع لرؤية شمولية من أجل تطور مجالي مريح وصحي للأفراد وجذاب وتنافسي للمقاولات ومحترم للبيئة.
  2. يتسم التمدن بضعف التخطيط ويخضع لمقاربة تعتمد على الاستثناءات ويتم التعمير عبر مشاريع تجزئات بطريقة تفتقد للعقلنة بالنسبة للجماعات والأفراد.
  3. لا توجد قيادة واضحة ومندمجة للتنمية الحضرية، حيث تعرف طرق تدخل الدولة على المستوى المحلي محدودية كبيرة من تجلياتها تعدد الفاعلين.
  4. التمويل المتاح للتنمية الحضرية غير كاف بالنظر إلى الحاجيات.
  5. العقار يبقى عائقا حقيقيا للتنمية.

ولمعالجة هذه الاختلالات اقترح النموذج التنموي التوجهات الاستراتيجية التالية:

تطويــر رؤيــة اســتباقية، مندمجــة ومتجانســة للتنميــة الحضريــة فــي مســتوى الرهانــات.

ترســيخ هاتــه الرؤيــة كمبدأ للتنميــة الإندماجيــة والمســتدامة تتمحــور حــول المواطــن.

تطويـر خدمـات نقـل عمومـي حضـري تتسـم بالجـودة.

تحسـين الولـوج إلـى السـكن وتبنـي سياسـة للسـكن تعـزز التمـازج الاجتماعي، وتسـهم فـي التنقـل والإدمـاج الاجتماعي والاقتصـادي وتوفـر إطـارا أفضـل للعيـش، وتضمـن الاستخدام الفعـال للموارد العموميــة.

تطويـر مقاربـات متمايـزة للتنميـة الحضريـة حسـب حجـم المـدن.

تحســين الحكامــة علــى جميــع المســتويات وجميــع مظاهــر التنميــة الحضريــة.

تطويــر وتوزيــع الوســائل والقــدرات التقنيــة اللازمــة للتخطيــط الحضــري بالاعتمــاد علــى مقاربــات منهجيــة ومتعــددة الأبعــاد.

جعــل الرقمنــة أداة أساســية للتخطيــط الحضــري وتدبيــر المــدن.

ضمــان تمويــل كاف للتنميــة الحضريــة بالنظــر الــى حجــم الحاجيــات.

توجيــه سياســة الســكن الاجتماعي نحــو دعــم مباشــر للأسر وحكامــة فعالــة لقطــاع الســكن الاجتماعي كفيلـة بضمـان الجـودة للسـاكنة.

في مجال التخطيط التنموي، حدد التقرير العوائق التالية:

  1. تظـل القـدرة الاستباقية للدولـة وقدرتهـا علـى التخطيـط الاستراتيجي وتصـور وتتبـع السياسـات العموميـة غيـر كافيـة وتعانـي مـن العديـد مـن عوامـل عـدم الانسجام وعـدم الفعاليـة.
  2. تمكـن آليـات تقنيـن الاقتصاد، سـواء المؤسسـاتية أو التنظيميـة، مـن ضمـان منافسـة سـليمة ونزيهـة والتـزام فعلـي مـن طـرف الفاعليـن الاقتصاديين فـي خدمـة التنميـة.
  3. الاستثمار العمومـي لـه أثـر جـد محـدود مـن حيـث تحقيـق التنميـة البشـرية والاندماجالاجتماعي والنمــو الاقتصادي، كمــا أنــه يســتجيب لرؤيــة عموديــة وتنازليــة.

وكتوجهات استراتيجية اقترح النموذج التنموي ما يلي:

توضيــح مجالات التخطيــط الاستراتيجي والقيــادة والتوجيــه الاستراتيجي وبلــورة وتنفيــذ الأوراشالاستراتيجية للدولــة، وإرفاقهــا بآليــات واضحــة علــى مســتوى اتخــاذ القــرار وتتبــع تنفيذهــا ممــا يقــوي مــن الطابــع الديموقراطــي للسياســات العموميــة.

تشـجيع البنـاء التشـاركي والمندمـج للاستراتيجيات القطاعيـة وللسياسـات متعـددة القطاعـات فـي إطـار مقاربـة شـمولية ووفـق أهـداف مشـتركة مـع التركيـز علـى أثـر هـذه السياسـات علـى المواطـن.

تعزيـز البعـد الترابـي فـي الاستراتيجيات والمخططـات القطاعيـة علـى مسـتوى التصـور والتنزيل وكـذا التقييـم فـي تناغـم تـام مـع مبـدأ التفريـع ودور الجهـات الـذي ينشـده النمـوذج التنمـوي الجديـد.)

تمكيــن الدولــة مــن آليــات ترفــع مــن قدراتهــا علــى التوقــع علــى المــدى القصيــر والمتوســط وللاستشراف علــى المــدى الطويــل.

جعـل تصـور السياسـات العموميـة أمـرا ممنهجـا علـى أن يرتكـز علـى البيانـات الإحصائية وعلـى تحليــل ودراســة مســبقة لنجاعــة الحلــول المعتمــدة مــن حيــث أثرهــا.

جعـل عمليـات تقييـم وتتبـع نتائـج وآثـار السياسـات العموميـة بكيفيـة ممنهجـة خـال جميـع مراحلهــا.

ضمـان جـودة وتناسـق المعلومـات والمعطيات الإحصائية وتعزيز القـدرات المتعلقـة بالنمذجة.

ضمـان التنسـيق بيـن الفاعليـن المعنييـن بعمليـة تصـور وتنزيـل السياسـات العموميـة.      

التحدي الثالث: أجرأة البرنامج الحكومي وبرنامجعمل الوزارة:

لقد شكل إعداد التراب الوطني أحد ركائز البرنامج الحكومي الجديد 2021-2026 وخاصة في المحور الرابع حيث اتخذت الحكومة، في إطار تقليص التفاوتات المجالية، قرارا بتجديد برنامج تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية وتأهيل وتطوير 200 مركز قروي وتعزيز جاذبيتها وتشجيع التعاون بين الجماعات وتطوير “الدوائر”، في أفق أن نجعل منها وحدات إدارية للتنسيق بين المدن الكبرى والصغيرة والمراكز القروية الصاعدة والجماعات ذات الطابع القروي.

في هذا الإطار، حددت الوزارة في إطار سياستها الجديدة 12 مكونا مرجعيا لسياساتها العمومية و15 هدفا استراتيجيا.

وفي هذا السياق، وبناء على الأهداف الاستراتيجية، حددت الوزارة برنامج عملها في مجالي إعداد التراب الوطني والتعمير.

المكونات المرجعية الأهداف الاستراتيجية
· ضمان التقائية الاستراتيجيات القطاعية والسياسات العمومية.

· تحسين فضاء عيش الساكنة وجعل العنصر البشري محور التنمية.

·  جعل قطاع الإسكان والتعمير دعامة قوية لتوفير السكن الكريم.

· جهوية متقدمة لصياغة سياسات عمومية مندمجة.

· مقاربة تشاركية وتعاقدية.

· ضـرورة تعزيز دور المجالات الترابية.

· تبسيط حكامة التخطيط العمراني واعتماد سياسة للسكن.

· تعزيز التمازج الاجتماعي.

·  دعم الإدماج السوسيو-الاقتصادي وتحسين إطار العيش.

· تدعيم ركائز الدولة الاجتماعية.

· تحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة التشغيل.

· تكريس الحكامة الجيدة في التدبير العمومي.

أهداف اجتماعية

· تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالي.

· ضمان السكن اللائق.

· توفير سكن يستجيب للطبقات المتوسطة والأكثرهشاشة.

· تثمين الجودة المعمارية والمشهدية.

·  رد الاعتبار للمدن العتٌمة والتراث.

أهداف اقتصادية

· دعم الاستثمار وتحسين حكامة وجودة التخطيط والتدبير الترابي.

· تطوبر قطاع العقار وتعزيز المهنية.

· النهوض بالجودة والسلامة والاستدامة.

· تشجٌع الإنتاج الوطنً في مواد البناء

· دعم تنمية المجالات القروية وتقوية جاذبيتها الاقتصادية.

أهداف اقتصادية

· دعم التقائية التدخلات العمومية على الصعيد الترابي.

· مراقبة وتقييم جودة الخدمات العمومية.

· تبسيط المساطر وضبط الآجال.

· تعزٌز الإطار القانوني.

· تعميم الرقمنة.

في مجال إعداد التراب الوطني، حددت الوزارة خمسة أهداف خاصة وثلاث مكونات رئيسية لبرنامج العمل.

الأهداف الخاصة برنامج العمل
·  تجانس التصاميم الجهوية لإعدادالتراب.

·  الانتقال من سياسة قطاعية إلى سياسة ترابية/مجالية.

· تقليٌص التفاوتات الشديدة ودعم التماسك المجالي.

· اعتماد التمايزفي التنمية الجهوية وتعزيز الإنصاف المجالي.

·تقوية الروابط بين البادية والمدينة.

إعداد توجهات السياسة العمومية لإعداد التراب: كإطار مرجعي وطني جديد

· تنظيم حوار مجالي مع الجهات.

· عرض التوجهات أمام أنظار اللجنة الوزارية لإعداد التراب، والمجلس الأعلى لإعداد التراب قصد التشاور والمصادقة.

تعزيز المنظومة الحضرية

· تأطير مسار البناء الميتروبوليوإرساء نظام حكاماتي خاص.

·  دعم دور المدن الوسيطة.

تطوير آليات الرصد واليقظة المجالية

· إحداث المراصد الجهوية للديناميات المجالية بشراكة مع المجالس الجهوية.

في مجال التعمير، ركزت الوزارة في برنامجها على أربعة أهداف خاصة وخمس مكونات رئيسية لبرنامج العمل.

الأهداف الخاصة برنامج العمل
· إرساء إطار مرجعي يهدف إلى تأهيل مجالات تنافسيةومستدامة.

· وضع مرتكزات لتعمير مرن وعملياتي.

· بلورة تدبٌر حضري محفز للاستثماروالاستدامة.

· تحسين الحكامة الترابية.

تعميم التغطية بوثائق التعمير: 95.5% في أفق 2026

تغطية المجالات الميتروبولية

تحسين حكامة تراخيص البناء

تأهيل ورد الاعتبار للتراث المعماري

تحسين الجودة المعمارية والارتقاء بالمناظر الحضرية

 

 

 

وأخيرا في المجالات القروية،فقد ارتكزت الوزارة على خمس أهداف خاصة وثلاث مكونات لبرنامج العمل في التعمير واستراتيجية المراكز الصاعدة.

الأهداف الخاصة برنامج العمل
·  الرفع من تنافسية الاقتصاد القروي وتنويع أنشطته.

·  تحسين ظروف العيش وتقليص الفوارق.

· توفير شروط الاستدامة والتحكم في المخاطر.

· تعزيز طبقة متوسطة بالعالم القروي.

· تقوية الروابط بين المجالين المروي والحضري.

تعميم التغطية بوثائق التعمير

تبسيط مسطرة الترخيص بالبناء في العالم المروي

البرنامج الوطني للتنمية المندمجة للمراكز القروية الصاعدة

 

انطلاقا مما سبق، يمكن القول بأن التدخلات العمومية ملزمة بالتوجه نحو إعادة التوازن في توزيع التجهيز لمختلف المكونات الترابية، سواء من حيث التنمية الاقتصادية والبنية التحتية والإسكان والصحة والتعليم وتعزيز وسائل الاتصال والنقل بين المدن والمناطق القروية. وفي هذا الإطاريحتاج المستوى الجهوي إلى تقوية التجانس المؤسساتي بين مكوناته الترابية من ناحية، والمجلس الجهوي والمصالح اللاممركزة للدولة المسؤولة عن الأجرأة الترابية للسياسات القطاعية من ناحية أخرى،وهذا ما سيمكن من الحد من التفاوتات الاجتماعية والترابية وضمان التنمية المستدامة والمتجانسة للجهات. وبالتالي فإن مؤسسة المفتشية الجهوية، بمحكم مراكمة الخبرات الميدانية، ستلعب دورا مهما في مجالات التنشيط الترابي والابتكار التنموي ثم اليقظة الترابية.

و أخيرا، تبقى تقوية و إعادة تموقع المفتشيات الجهوية رهينة بمدى تكيف السلطة الحكومية المكلفة إعداد التراب و التعمير مع المستجدات المؤسساتية و الاقتصادية، مما يتطلب تقوية الهياكل الإدارية الجهوية بتجميع تمثيليات الوزارة على المستوى الجهوي و تخفيف التضخم على المستوى المركزي على مستوى الموارد البشرية و الهياكل مع إعادة هندسة الاختصاصات مركزيا و لا ممركزا.

*خبير في التنمية الترابية        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *