*يونس التايب

 

فكرت في كل الاتجاهات دون أن أفهم المنطق الذي جعل “البعض” ينتقدون بقسوة اللاعب المغربي حكيم زياش، بعد تصريحات قال فيها، يوم أمس، أنه ينهي مساره الدولي مع المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم. بل، هنالك من ذهب، بشكل غير مؤسس على منطق أو معطيات موضوعية، إلى  المزايدة على وطنية اللاعب، في تجل من تجليات قدرة عحيبة لدى البعض على تغيير مواقفهم و التنكر المسيء للاعب مغربي عالمي، عبر عن موقف هو في الحقيقة ليس إلا نتيجة منطقية لما فرضه عليه، و فرضه علينا نحن أيضا، المدرب وحيد حاليلوزيتش. 

في هذا السياق، أكتب هذه الورقة، لسببين إثنين: 

– من جهة، رفضي لأن يتحول السجال إلى شرخ كبير يسيء إلى العلاقة بين الجمهور المغربي و بين لاعب شاب هو أحد أفضل عناصر فريقنا الوطني لكرة القدم، لا زال أمامه سنوات يستطيع فيها العطاء، عندما تنضج أجواء تتيح ذلك على مستوى المنتخب؛ 

– من جهة ثانية، لأشجع الاحتكام إلى العقل و تحفيز مبادرات تعتبر عادية و طبيعية في عالم كرة القدم، يمكن أن تتم بخلفية تربوية و إنسانية و روح وطنية، لإصلاح العلاقة بين لاعب و مدرب، و إطفاء غضب الجمهور و تصحيح الاختلالات التواصلية، و إعادة تعبئة كل عناصر القوة و الإمكانيات البشرية التي لدينا، في أفق مبارتي السد أمام فريق جمهوية الكونغو الديمقراطية، قصد تحقيق الانتصار و التأهل لمونديال قطر 2022.

و حتى يفهم المزايدون على زياش في وطنيته، أن عليهم أن يبتعدوا عن الأحكام الجاهزة و غير العقلانية، أذكر بمواقف و أحداث مترابطة، كالتالي :

 أولا، حكيم زياش كان بإمكانه أن يلعب مع منتخب هولندا، و رفض ذلك رغم إغراءات كثيرة و ضغوط لا يصمد أمامها إلا من كان قلبه ثابتا على حب وطنه. 

و للتذكير، في حوار أجراه مع مجلة «هيلدن» الهولندية، قبل سنوات، قال زياش: “لم أعد أهتم بموضوع المنتخب الهولندي بحكم ميولي إلى منتخب بلدي المغرب الذي أنتمي إليه، هناك حيث دفن والدي وتعيش أسرتي، حيث أحس أنني داخل بيتي و الدم يسري في عروقي بألوان الوطن… مستعد للعودة إلى هناك لمجاورة صديقي كريم الأحمدي، فالأجواء جد رائعة والروابط قوية تلك التي تجمعني بكريم، أسامة طنان ونور الدين أمرابط… نملك جيلا متميزا من اللاعبين والانتظارات كبيرة تصاحبنا لإثبات ذلك». 

و في حوار آخر، مع قناة «فوكس سبورتس» الهولندية، في برنامج على الهواء مباشرة، عندما باغث صحفي زياش بالقول “هل يمكننا منحك شيء يجعلك تغير رأيك وتلعب لهولندا عوض المغرب؟ هل يرضيك حذاء ذهبي، أم فرقة موسيقية تعزف على باب بيتك، أم علبة من الحلوى؟ اطلب ما شئت وسأنفذه لك؟”، رد زياش بدرس جميل في معنى أن تكون ابن وطنك، و قال : “لا يوجد شيء سيجعلني أغير رأيي باللعب لمنتخب المغرب. لن أغير المغرب بهولندا”. و زاد قائلا : “لم أختر المنتخب المغربي لتأخر هولندا في استدعائي، بل اخترته لأن قلبي أملى علي ذلك”. 

للإشارة، ماركو فان باستن، مساعد المدرب الهولندي، كان قد صرح لنفس قناة فوكس سبورتس الهولندية، قائلا : “زياش لاعب مثالي بالنسبة للمنتخب الهولندي. كنّا على اتصال دائم معه قبل أن يقول في النهاية : أريد المغرب”.

ثانيا، من أبعد زياش عن المنتخب ليست إرادته هو بالابتعاد، بل إرادة المدرب وحيد حاليلوزيتش. 

للتذكير، زياش استبعد من التشكيلة التي أعلنها المدرب لمواجهة منتخبات السودان و غينيا، ضمن منافسات فرق المجموعة التاسعة للتصفيات الأفريقية لمونديال 2022 في قطر، بسبب ما اعتبره المدرب البوسني “سوء سلوك” من زياش، حين ضمه للعب في مباراتين وديتين ضد غانا وبوركينافاسو في شهر يونيو 2021. 

حاليلوزيتش قال أن زياش وصل متأخرا و رفض التمرين، و “لم يكن هناك جدوى من مناقشة الأمر بعد ذلك، لأن الإجابة موجودة أمامي كمدرب”. و أضاف أن زياش رفض اللعب في المباراة الأولى ضد غانا، بزعم أنه مصاب، بينما قال الطاقم الطبي، بعد الفحوصات، أنه يمكنه أن يلعب. 

حكيم زياش رد على تلك الاتهامات، بمنشور على حسابه في موقع إنستغرام كتب فيه “في المرة المقبلة حين تريد الحديث قل الحقيقة”، في إحالة على ما قاله المدرب دون أن يذكره بالإسم أو يقدم مزيدا من التفاصيل.

ثالثا، تغييب زياش من طرف المدرب استمر خلال نهائيات كأس إفريقيا، و هو ما أحزن الجمهور المغربي و أحزن اللاعب نفسه، الذي شاهدناه كيف تألق مع فريقه تشيلسي و كيف سجل أهدافا عالمية دون أن يفرح بها كالمعتاد، بسبب حزن دفين في قلبه من جراء استبعاده من الفريق الوطني. 

طبعا، لا حاجة للقول أن غياب زياش حرم منتخبنا من قائد يستطيع صناعة الفارق على مستوى الهجوم، و يقلب المباراة بتميز تقني في لحظة حاسمة. و النتيجة كانت هي إقصاء فريقنا و عودته بالخيبة من مباراة ربع النهاية أمام منتخب مصر و نجمه محمد صلاح. 

رابعا، قرار استبعاد زياش استمر بعد العودة من الكاميرون، حيث قال المدرب في ندوة صحفية أنه متشبث بعدم استدعاء لاعب تشيلسي لمبارتي السد ضد منتخب الكونغو الديمقراطية في نهاية مارس المقبل، بما يعني أن وحيد لن يشرك زياش في المونديال إذا فاز المنتخب الوطني و تأهل، حيث لن يحتاج إلى عودة لاعب تحقق التأهل إلى المونديال في غيابه و دون مشاركته. 

من النقط أعلاه، يتبين أنه لا مجال للمزايدة على حكيم زياش في حبه لوطنه، أو حبه للمنتخب المغربي لكرة القدم. فالوقائع تكفي ليتوقف المزايدون عن محاولات التشكيك في مواقف اللاعب، حيث لا شيء يعزز ذلك الادعاء أو يبرره. 

بالإضافة إلى أن التشكيك في أمر حساس للغاية كمسألة الانتماء الوطني لمن ولدوا و تربوا و تكونوا و عاشوا في بلدان أخرى، و في لحظة الحسم اختاروا وطنهم الأم، فيه إساءة بالغة، و فيه مثال سيء نعطيه لكل اللاعبين الشباب من مغاربة العالم، حول قدرتنا “الخارقة” على التنكر لهم في أول اختلاف في المواقف (قصة الزلزولي غير بعيدة عنا!!!) أو انفعال و سوء تفاهم، أو تضارب في المصالح.

و قول زياش أنه يعتزل اللعب دوليا مع المنتخب، ما هو إلا تحصيل حاصل، يعكس تفاعل شخص يشعر بالغبن يتألم من جراء ما تعرض له، و لا زال يتعرض له، على يد مدرب اختار القسوة أسلوبا للمواكبة عوض الحوار و التواصل مع أحد أفضل لاعبيه، مرة ثم مرة ثم مرات، حتى بلوغ النتائج. 

أكيد أن اللاعب حكيم زياش إنسان معرض للوقوع في الخطأ و التصرف بشكل غير مقبول. و لا نقاش في ضرورة أن يعطي زياش الأفضل لمنتخب بلاده، و يجتهد ليظهر بنفس المستوى الاحترافي الذي يظهره مع ناديه تشيلسي. لكن، هل دور مدرب المنتخب هو أن يجمع أسرة لاعبي المنتخب الوطني أم دوره هو أن يشتتها؟ أليس المطلوب هو أن يكون المدرب “كوتش” بالمعنى التقني والإنساني، عوض التعنت و “تقصاح الراس” الذي أفضى إلى حرمان منتخبنا الوطني لكرة القدم من أحد أفضل لاعبيه؟.

في الختام، ماذا عساي أقول أمام هذا القضاء و القدر الذي وضع في طريقنا هذا المدرب بالضبط، بما له من “كفاءات تقنية” ننتظر ظهور أثرها في الميدان، سوى أن أقول “اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، و لكن نسألك اللطف فيه” حتى لا يترك مصير منتخبنا الوطني الغالي، بين يدي مدرب أعطيناه كل المفاتيح، و لم نضع إدارة تقنية وطنية قوية تتابعه وتناقش معه خطواته و تقيم آداءه، و تتدخل لتصلح ما قد يفسده بسبب اختلاف عقليته وثقافته عن عقلية اللاعب المغربي، أو بسبب الفرق الكبير في السن بينه (وحيد عمره 70 سنة) و بين لاعبي المنتخب و متوسط أعمارهم هو 24 سنة حاليا. 

حدسي يقول لي بأن مدربنا الوطني الحالي، مهتم أكثر بحماية الأنا التي تسكنه، أكثر من اهتمامه بأن يحقق انتصارات كروية يستحقها الجمهور المغربي ليفرح شباب الوطن.. و أتمنى أن تثبت الأيام، أن حدسي كان خاطئا..

*كاتب /صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *