الرباط: أسماء حسن
يثير اختفاء طوائف النحل في المغرب مؤخرا قلقا متزايدا، سواء في أوساط المربين أو المختصين بهذا المجال، في ظاهرة غير مسبوقة من شأنها التأثير سلبا على سلسلة تربية النحل وإنتاج العسل بالمملكة.
وقد أظهر التشخيص الذي أجرته النقابة الوطنية لمحترفي تربية النحل عدة أعراض ترتبط بهذه الظاهرة الجديدة، من بينها احتضان خلية النحل للملكة وبضع نحلات فقط، والاختفاء الكلي للشغالات المتخصصات في كل المهام داخل وخارج الخلية.
وقد استبعدت نتائج الاختبارات الأولية التي قام بها المكتب الوطني للسلامة الصحية، المعروف اختصارا بـ”أونسا”، فرضية أن يكون مرض يصيب النحل هو السبب في اختفائه من بعض المناطق.
ويشكل قطاع تربية النحل في المغرب مصدر دخل لأكثر من 36 ألف شخص حسب أرقام رسمية، يتوزع نشاطهم في مناطق مختلفة من المملكة، منها الغابات والصحاري والمزارع.
انهيار مفاجئ
وأبدى عدد من مربي النحل في المغرب مخاوفهم من استمرار اختفاء طوائفه، وما قد يعقبه من تداعيات على إنتاج العسل، وطالبوا بضرورة الإسراع في البحث عن السبل الكفيلة بالحد من تأثير ذلك على سلسلة تربية النحل بالمملكة.
ويقول عبد الله اجغل رئيس إحدى تعاونيات تربية النحل وإنتاج العسل، إنه لم يسبق له، على مدار 30 عاما من عمله في هذا المجال، معاصرة مثل هذه الظاهرة الغريبة، التي تسببت في أضرار مادية جسيمة لعدد من النحالة في مناطق مختلفة من المغرب.
اجغل، الذي شهدت مناحله موت 300 خلية، يضيف لموقع “سكاي نيوز عربية”: “هذه الظاهرة تشبه إلى حد كبير ما يحدث عند تفشي مرض تعفن الحضنة، الذي يسهل التحكم فيه بالاعتماد على أدوية غير مكلفة”.
ويتابع مربي النحل: “في انتظار التوصل لأدوية يمكنها أن تساعد في القضاء على هذا المشكل، فإن مربي النحل يلجأون مؤقتا إلى استخدام طرق تقليدية في مواجهة المرض، أثبتت فعاليتها بنسبة حوالي 70%”.
ويشدد المتحدث الذي تضم تعاونيته أزيد من 4 آلاف خلية، أن استمرار اختفاء طوائف النحل من شأنه التأثير بشكل كبير على إنتاج العسل الطبيعي خلال الموسم المقبل، الذي ينطلق مع حلول شهر أبريل.
ومن جهة أخرى، تشير المستشارة الفلاحية في المركز الوطني للاستشارة الفلاحية مليكة إدمين، إلى أن العواقب الناتجة عن هذه الظاهرة الجديدة لن تقتصر على وثيرة إنتاج العسل فقط، بل ستتعداها لتشمل نظام التلقيح الطبيعي للنباتات، الذي قد ينعكس بشكل خطير على كمية وجودة إنتاج النباتات والأشجار المثمرة.
وترى إمدين، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه “يصعب تحديد ما إذا كان اختفاء النحل حدث بسبب مرض فيروسي، طالما أن الأمر لم يشمل إلى حدود اليوم جميع المناحل في المغرب”.
ولتفادي انتشار المرض وانتقال العدوى، تدعو المستشارة الفلاحية مربي النحل إلى ضرورة المحافظة على الخلايا التي لم يبلغها الضرر بعد، من خلال تعقيم الأدوات المستعملة في فحص الخلايا والمراقبة المستمرة ومعالجة بعض الأمراض التي تنتشر خلال هذه الفترة بين خلايا النحل، في انتظار انتهاء الأبحاث الجارية وتحديد الدواء.
البحث عن الأسباب
وأجرت المصالح البيطرية التابعة للمكتب الوطني للسلامة الصحية (أونسا)، زيارات ميدانية إلى حوالي 23 ألف خلية نحل بمختلف مناطق المملكة، للبحث عن الأسباب التي أدت إلى اختفاء طوائف النحل.
وأكدت “أونسا” في بيان اطلع موقع “سكاي نيوز عربية” على نسخة منه، أن النتائج الأولية للزيارات الميدانية قد خلصت إلى أن “اختفاء النحل ظاهرة جديدة تشمل بعض المناطق بدرجات متفاوتة”.
وأضاف المكتب أن نتائج التحاليل المخبرية التي أجريت على خلايا النحل والحضنة، قد استبعدت أن يكون مرض معين وراء اختفاء النحل في بعض المناطق.
وتواصل مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية إجراء التحريات والدراسات اللازمة، من أجل تحديد الأسباب الرئيسية لهذه الظاهرة التي تعرف أيضا بـ”انهار خلايا النحل”.
وأوضح “أونسا”، أن هذه الظاهرة قد سجلت أيضا في دول أخرى بأوروبا وأميركا وإفريقيا، حيث ارتبط ظهورها بوجود أسباب متعددة ومتداخلة بين ما هو متعلق بالظروف المناخية مثل قلة الأمطار، وبيئية كقلة الرعي، إلى جانب الظروف المرتبطة بالحالة الصحية للمناحل والطرق الوقائية المتبعة.
مخاوف من العسل المغشوش
ونتيجة هذه الأزمة، يتخوف عدد من المستهلكين المغاربة ممن دأبوا على اقتناء العسل الطبيعي، أن يؤدي الوضع الحالي إلى انتشار العسل المغشوش في الأسواق.
وتوجد في المغرب أصناف متنوعة من العسل بنكهات مختلفة، حسب مصدر غذاء النحل وأنواع النباتات والأعشاب التي يحط عليها، ومن أشهر أصنافه عسل الدغموس الحار الذي يستخدم كدواء فقط، وعسل الزعتر والكالبتوس والخزامة والبرتقال والأركان، وهي الأنواع التي تستخدم كلها في الأكل كما في الدواء.
ويؤكد اجغل أن مشكل اختفاء طوائف النحل سيشكل عائقا أمام من يسعى لإنتاج العسل الطبيعي، بل والعسل المغشوش على حد سواء، مشيرا إلى أن إنتاج العسل المغشوش يتم عادة عبر مزج شمع العسل زهيد الثمن مع كمية قليلة من العسل الطبيعي، بحيث لا يمكن تحديد جودته إلا من قبل خبير.
ويلفت المربي الخبير أيضا إلى وجود نوع آخر من العسل المغشوش يصنع من السكر، ويمكن للمستهلك تبين جودته من خلال رائحته التي تشبه رائحة البلاستيك.
سكاي نيوز