*حسن البصري 

 

في زمن قريب كانت هزيمة فريق عربي تشكل نكبة للأمة العربية، وكان للعرب منتخب يجمعهم وجائزة سنوية تلمهم وبطولات سنوية ترعاها جامعة الدول العربية، كان اللاعبون والمدربون في “في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”. 

اليوم تحولت المنتخبات العربية إلى قوات ردع تستخدم لأغراض ديبلوماسية وعسكرية، وأصبح الإقصاء من تظاهرة كروية “نكبة”، وحين تتعاقد الأنظمة العربية مع مدربي منتخبات الكرة تضيف بندا فريدا في عقودها: “الإقالة عند الخسارة أمام الخصوم السياسيين”. 

حين خرجت الجزائر وموريتانيا والسودان من نهائيات كأس أمم إفريقيا المقامة بالكاميرون، تحرك قادة هذه البلدان لمواجهة احتقان الشارع، وهيأ أعضاء مجلس الشعب أسئلة النكبة التي تطالب باستقالة وزير الرياضة وحل اتحاد الكرة وتسريح المحترفين الراسبين في امتحان استظهار النشيد الوطني.  

حتى البلدان العربيان الغائبان عن العرس الكروي الإفريقي (ليبيا وجيبوتي)، لم يسلما من غضب جماهيري ساطع رافض لدور المتفرج.

 قبل أن يجف عرق لاعبي منتخب الجزائر، بعث سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي رسالة دعم ومساندة لمنتخب بلاده مباشرة بعد إقصائه من كأس إفريقيا، حاول من خلالها ترميم المعنويات المكسورة، لكنه تعامل مع فريق للكرة كما يتعامل رئيس كتيبة عسكرية مع جنوده، مصرا على جعل منتخب بلاده تجريدة عسكرية مقاتلة. 

سيأتي يوم تتحول فيه نهائيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم إلى ساحة للمناورات بالذخيرة الحية وليس بكرة محشوة بالهواء، وستجرى المنافسات تحت رعاية شركة تصنع كريمات مضادة للشيخوخة من لعاب شنقريحة. 

لقد ذهب أحد الدبلوماسيين الجزائريين إلى أبعد من الحاكم العسكري، حين تساءل في تدوينة بحبر الجفاء: “المنتخبات الإفريقية التي فتحت بلدانها قنصليات في العيون والداخلة تحولت إلى قوة ضاربة في نهائيات كأس أمم إفريقيا، وزير خارجيتنا مطالب بفتح تحقيق في الموضوع، لا نقبل بتأليب منتخبات ضدنا”. 

غالبا ما تتحول الملتقيات الكروية القارية إلى فرصة واعدة لتصفية حسابات قديمة، لا علاقة لها بمجريات النهائيات، لكنها تستأثر بالاهتمام أكثر من الحدث الكروي.

مباشرة بعد إقصاء المنتخب الجزائري، وجه صحافي كاميروني سؤالا غريبا للمدرب جمال بلماضي، قائلا: “هل سبب خروج منتخبكم من “الكان” يعود للعنة اللاعب الكاميروني الراحل ألبير إيبوسي”؟

رد عليه المدرب الجزائري: 

“لا أعلم من سمح لك بالدخول إلى هنا، لكن من فعل ذلك فلقد ارتكب خطأ مهنيا كبيرا”.

تطوع بعض الزملاء الصحافيين الجزائريين لانتزاع الميكروفون من السائل، الذي تبين أن له قرابة باللاعب الكاميروني إيبوسي الذي قتل في الجزائر حين كان لاعبا بشبيبة القبائل، ولازالت قضية وفاته لغزا محيرا. 

غضب مدرب المنتخب الجزائري جمال بلماضي وانتابته نوبة قلق، ثم نسي أنه يحمل حقيبة الغبطة، ويسمى في بلاده “وزير السعادة”، لذا بات الرجل مهددا في أي لحظة بتعديل حكومي يلغي حقيبة السعادة ويسلم المهمة لإطفائي بدل طباخ يصب الخل في الزيت. 

قال رئيس البعثة الجزائرية لكرة القدم وهو يغادر الفندق عائدا إلى بلاده: 

“نحن السابقون وأنتم اللاحقون”. 

وقال محلل جزائري إن المنتخبات العربية تستنزف طاقتها الإيجابية في معارك ضد خصوم سياسيين، مشيرا إلى أن نصف لاعبي المنتخب على حافة الاعتزال.

حاول كثير من المحللين العرب أن يوهموننا بأن الكابتن ماجد لا يملك المستوى الكافي لخوض مباريات الرسوم المتحركة التي تحمل اسمه، وأنه بات مجبرا على اعتزال اللعبة.

خرجت الجزائر من المنافسات تجر أذيال الخيبة، وتبين أن الرقاة والدجالين لن يغيروا أحوال اللاعبين، وأن انتشارهم في ملاعب الكرة يحتاج لأمرين لا ثالث لهما: تمشيط ما تبقى منهم في محيط الفرق والمنتخبات، أو اعتراف الاتحادات بالرقاة ضمن الأطقم التقنية وتسليمهم ديبلوم “راقي برو”.

*كاتب/صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *