إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.

لن نبتعد الليلة كثيرا عن أجواء ضيف حلقة أمس.. ففي كندا أيضا صنع ضيف حلقتنا الليلة من “قصص أسماء مغربية سطعت في المهجر” تاريخه الخاص وسطع نجمه بعيدا عن الوطن الأم.

غادر جو ميمران المغرب في ثمانينيات القرن الماضي في اتجاه كندا وهو مفعما بالطموح، وإن لم يكن أشدّ المتفائلين من المقربين منه يظنون أنه سيصبح واحدا من أشهر رجال الأعمال في كندا، بل سيقف وراء ظهور علامات تجارية كبرى، مثل “جو فريش” و”كلوبْ موناكو”.

شُغف جو ميمران بالأزياء وهو في الثانية عشرة، بفضل والدته. ففي أحد أيام طفولته أردا أن يُحاكي الممثل المعروف شون كونري في ثيابه فحاكت له سترة من قماش منسوج بلونين مختلفين بكيفية جعلته يبدو كأنه “منقوش”.

يعد ذلك، تعلم جو “أبجديات” التصميم من والدته، قبل أن ينشئ “شركة” صغيرة جعل من منزل أسرته مقرا لها، واختصت في بيع الملابس النسائية المُحاكة بالطلب وحسب المقاس الذي تطلب الزبونات.

غير أن طموح جو ميمران بدا أكبر من أن تُرضيه تلك الشركة الصّغيرة، فتعاقد مع مصمم الأزياء ألفريد سَنغ لتصميم خط للملابس الجاهزة بهدف توزيع منتجاته على المحلات الواقعة في الشارع التجاري الرئيسي في المدينة. وعن تلك التجربة قال ميمران في حوار صحاف، إنه تبين له أن تلك الخطوة حققت نجاحا واضحا مع المستهلكين وأظهرت له أن “المقامرة” في مجال المشاريع التجارية قد تُؤتي أُكلها.

في منتصف ثمانينيات القرن العشرين، بحث ميمران عن قميص قصير الكمّين “تي شيرت” أبيض اللون. وبعدما عجز عن العثور على ما يريد، عنّت له فكرة ابتكار علامة تجارية جديدة لملابس عالية الجودة وبأسعار في متناول المستهلك.

ورغم بدايته الناجحة، لم تخل “مغامَرة” جو ميمران في عالَم الأزياء من الإخفاقات. في هذا السياق، قال في الحوار ذاته إن مصاعب كثيرة واجهت بداية مجموعة “كلوبْ موناكو”. وكانت بداية هذه العراقيل حين رفضت اثنثان من كبريات المتاجر متعددة الأقسام في كندا وقتذاك (“ذو باي” و”إيتُنز”) بيع المنتجات التي تحمل هذه العلامة، ما حال دون وصولها إلى قسم كبير من المستهلكين في السوق الكندية.

في ظل ذلك الوضع، وجد ميمران نفسه في ورطة حقيقة، إذ كان قد أنتج بالفعل كميات من الملابس الجاهزة، ليجد نفسه دون وسيلة لتسويقها. في خضمّ ذلك، أدرك تيقّن أن الحل السبيل الوحيد للخروج من تلك الورطة هو في فتح متجر خاص به.

حقّقت متاجر جو ميتران نجاحا باهرا إلى درجة أن طوابير من الناس اصطفّت منذ اليوم الأول لفتح أبواب متجره في تورونتو..

منذ ذلك الحين، ابتكر ميمران علامات تجارية جديدة، ومنها “جو فريش”، العلامة التي تستهدف جميع شرائح المستهلكين، بمختلف فئاتهم. وافتُتحت بهذه العلامة سلسلة متاجر “لاب لو”، التي لديها فروع في كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

ظهر جو ميمران في النسخة الكندية من البرنامج التلفزيوني البريطاني ذائع الصيت “عرين التنانين”، الذي يُفسح المجال لأصحاب المشاريع الناشئة لعرض أفكارهم ومشروعاتهم

 

حذره أحد موظفيه في مجال المبيعات من فتح مصنع للملابس الرياضية، مؤكدا أنه “يفتقر إلى الخبرة اللازمة لدخول هذا المجال. فلم يكنْ من ميمران إلا أن طرَد الرجل متجاهلا نصيحته، ومضى قدما في طريق افتتاح المصنع غير مهتمّ بـ”تحذيرات” موظفه.

وصلت منتجات علامة “كلابْ موناكو” إلى نيويورك وغيرها من مدن الأزياء العالمية، ثم اشترتها شركة “بولو رالف لورين” العملاقة في مجال الأزياء مقابل 52.5 مليون دولار في 1999.

لا يجد ميمران نفسه أذكى من غيره، وقال في هذا السياق إن “مدى نجاح المرء يرتبط بمدى نجاح شركتك في السنة الماضية. فبغضّ النظر عن حجم ما تعلمتَه، يمكن أن تبقى فاشلاً في مجالنا التجاري. هذا يُبقيك حصيفا ومتزنا بقوة”.

ويظل هذا النهج ذو الطبع المتواضع -الذي يتناقض مع “الضراوة” التي يُفترض أنها سمة مميزة لـ”التنانين”- سرّ نجاح ميمران، كما قال جوزيف تاسوني، مصمم الأزياء الذي صار وهو في الثامنة عشرة مُصمما مُبتدئاً لملابس الرجال في شركة “جوزيف ميمران وشركاؤه”. وقال تاسوني “في بداية كل يوم عمل، يحيّي جو، بل يلقي السلام على الجميع حرفيا- من الكنّاس حتى موظفي الإدارة العليا”. وتابع المصمم الشاب أن ميمران “يستمع إلى الأفكار ويشجّع الموهبة والإبداع والابتكار ويدفعك إلى تحقيق رؤيتك وهدفك”، بل وربما إنجاز ما يفوق ذلك أيضا.

اسمٌ آخر من مغاربة العالم وضع أمامه هدفا وسعى إليه غير عابئ بالمطبّات والعراقيل والصعوبات التي قد تواجه مبتكرا في عالَم الأزياء الذي لا يدخله إلا… “التنانين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *