إعداد: عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية

ضيفتنا الليلة في “قصص أسماء مغربية سطعت في المهجر” مغربية كانت بائعة ورود قبل أن تصبح (في 20 يوليوز 2014) كاتبة دولة في حكومة بروكسيل.. إنها فضيلة لعنان، الرّيفية التي ترجع أصولها إلى قرية “بني سيدال” الأمازيغية في منطقة الريف، مسقط رأسها في 1967.

في بداية الستينيات سيهاجر والدها ويستقر في مولنبيك. كان ينوي إنعاش مالية الأسرة والاستقرار بعد التقاعد في المغرب. غير أن الزيارة “العابرة” تحوّلت إلى إقامة نهائية. فقد أنجب ثلاثة أبناء وأربع بنات، أكبرهن فضيلة.

لم يعارض الوالد خروج أبنائه إلى سوق العمل بموازاة مع متابعتهم دراستهم. فكانا بداية فضيلة بائعةَ ورود، ثم نادلة مقهى في بروكسيل، قبل أن تحقّق حلم والدتها وتصبح وزيرة للثقافة والإعلام..

نقطة التحول في حياة فضيلة كانت انخراطَها (وعمرها 18سنة) في العمل الجمعوي. فقد انخرطت في جمعية «شبيبة مغاربية»، ثم صارت رئيستها

.

بعد حصولها على الجنسية البلجيكية ما أهّلها للانخراط في العمل السياسي، عملت مستشارة في ديوانين وزاريين للثقافة. ثم عملت مستشارة في المجلس الأعلى للإعلام، قبل أن تصبح (في 2004) أول امرأة من أصول عربية إسلامية تعيّن وزيرةً للثقافة في بلد غربي ذي ديانة مسيحية، بقيادة الاشتراكي رودي فيرفوت.

كتب عنها طه عدنان “بورتري” بعنوان “فتاة مكافحة”: “في بداية التسعينيات، دخلت فتاة ضئيلة بملامح عربية إلى قاعة اجتماع يضم مسؤولين سياسيين. تفحصتها الأعين. سألها أحد البرلمانيين إن كانت هنا لإعداد القهوة. لكن الشابة لم تكن إلا المستشارة القانونية لوزير الثقافة البلجيكي الأسبق، إيريك توما”..

عقدَين بعد ذلك، وقفت فضيلة لعنان تدافع عن أولويات الرئاسة البلجيكية الدورية لأوربا أمام لجنة الثقافة والإعلام في البرلمان الأوربي. ثم ترأست مجلس وزراء الثقافة والإعلام في الاتحاد ذاته

.

ازدادت فضيلة في “مولنبيك”، القلب النابض لبروكسيل. استنشقت عبق تاريخ أحيائها واشتغلت على الثراء الثقافي لهذا البلد وعايشت مشاكل الجالية المغربية، ما قوّى ارتباطها بأصولها وبقضاياها، حتى أصبح رهانها الأكبر «دمج البعد الثقافي في السياسات الوطنية والأوربية لمكافحة الفقر والإقصاء الاجتماعي»..

وموازاة مع محافظتها على التقاليد والأعراف المغربية، تحبّ فضيلة لعنان عملها في البرلمان الفيدرالي ممثلةً للحزب الاشتراكي الفرنكفوني، التي سبق لها أن شغلت منصب وزيرة الشباب والسمعي -البصري في الحكومة الفرنكفونية.

حجزت لها لعنان، إذن، مقعدا في الحكومة المكونة من ثلاث وزارات وثلاثة كتاب دولة، بتعيينها كاتبة دولة مكلفة بالنظافة العمومية والبحث العلمي والبنيات الرياضية المشتركة والوظيفة العمومية. كما صارت وزيرة الثقافة السابقة في فدرالية والوني -بروكسيل وزيرةً رئيسة للجنة الجاليات الفرنسية ومكلفة بالتعليم المدرسي والحضانات والرياضة والثقافة والميزانية.

في حوار صحافي، قالت فضيلة لعنوان إنها عندما عُينت وزيرة للثقافة شعرت بأن حالة افتخار انتابت الجالية المغاربية عموما والمغربية على وجه الخصوص، “كنت أمثل بالنسبة إليهم رمزا، إذ كانوا يقولون في قرارة أنفسهم إذا ما نجحت فضيلة لعنان في أن تصل إلى ما وصلت إليه فذلك يعني أن أبناءنا بإمكانهم أن يبلغوا ما بلغت فضيلة”.

أثار فوز فضيلة لعنان بمنصب وزيرة الثقافة في فدرالية والوني في بروكسل “ضجة” كبيرة حينذاك في بلجيكا. لقد صارت أول امرأة من أصول عربية إسلامية تُعين في منصب وزيرة للثقافة في بلد غربي.

تتشبث فضيلة لعنان، التي تعود أصولها إلى الناظور، على بجنسيتها المغربية، إذ تحمل الآن جنسية مزدوجة مغربية وبلجيكية.

وعن علاقتها بالمغرب قالت في حوار آخر، إنه موطن والديها، اللذين يتحدران من “بني سيدال” في الناظور، وإن كانا قد هاجرا نحو الجزائر وهما “صغيران”، بعدما ضربت المجاعة المنطقة حينذاك. فمن الجزائر، إذن، هاجر والدا فضيلة صوب بلجيكا، لذلك تربطها علاقة خاصة بالمغرب، فهي موطن مسقط رأس والديها. وحين تسافر إلى المغرب قالت إنها تشعر بأنها في “بيتي”.

في الوقت ذاته، قالت فضيلة لعنان إنها وُلدت في بلجيكا وتشعر بأنها بلجيكية، فهي في حالة “تقاسم انتماء” فقد تلقت تربية ريفية وإسلامية وعربية وفي الوقت نفسه فثقافتها بلجيكية، وبالتالي فبلجيكا هي مسقط رأسها وحيث تعلمت ونشأت وعملت ولا تزال… وزيرةً.

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *