عبد الرزاق بوتمُزار

 

ح. 17

مُشاغِبون لكنْ..

مرحلة الدّراسة الثانوية تبقى راسخة في أذهان كثير من التلاميذ ويعُدّها معظمُهم أحسنَ ما مرّ بهم خلال مشوارهم الدّراسي. في هذه المرحلة يكون التلميذ قد اجتاز المُراهَقة وولج عالم الشّباب وتكون ملامحُ شخصيته قد تحدّدتْ. يدخل في مرحلة بداية رفض الوصاية الأبوية، التي يرى في شخص الأستاذ نموذجاً لها ويسعى، بكلّ ما يملك من طاقة، إلى الثورة عليها.

مجموعةٌ من أصدقاءَ جمعتني بهم أحداثٌ كثيرة ترسّختْ في الأذهان وصارت طرائفَ نستحضر أجواءها في أيّ لقاء يجمعنا. مواقفُ كوميدية تلقائية كانت تكسر إيقاع الدّراسة الرّتيبَ وتصنع لحظاتِ مرحنا خلال تلك الأعوام البعيدة. ولا يمكن استرجاع تلك المواقف المُضحكة دون استحضار مجموعة مُشاغبين جمعتني بهم ثلاثُ سنوات لا تنسى. عبد الإله وعبد اللطيف وعبد الله وعبد الصّمد (1) و(2) ويوسف وجمال وجواد وهشام ومحمد وعبد الله وعبد الغني وعبد الكبير وآخرون.. كانوا يُشكلون لائحة بأسماء كفيلة بكسر جدّية أيّ أستاذ أو أستاذة مهْما بلغت صرامتهـ(ـا).

كان أفراد هذه المجموعة يختارون الجلوس في المقاعد الخلفية للصفّ ذاته ويحرصون على أن تكون مقاعدُهم الأبعدَ عن الأستاذ. جمال، عندما يثيره أحدُ المواقف ويشرع في الضّحك، تنهمر دموعه بغزارة ويصْعُب إعادته من حالته الهستيرية، التي كثيرا ما كانت تنتهي به خارج الفصل؛ بعد أن يطاله سخط الأستاذ وغضبه. أمّا عبد الإله، الذي غالباً ما يكون طرفا مُباشراً في خلق المواقف، فلم يكن يكتفي بالضّحك؛ بل يُقهْقه بصوت مرتفع، وسرعان ما يجد الأستاذ (أو الأستاذة) واقفا عند رأسه، طالبا تفسيرً لما يحدث. من جهته، يأتي عبد اللطيف، وكان عنصرا خطيرا ضمن تشكيلة المشاغبين، حركاتٍ وأفعالاً لا يمكن أن تَصْدُر إلا عن مجنون حقيقيّ. لا وُجود في قاموسه للمنطق أو التريث. غالبا ما كان يجعلنا نغرب في الضّحك إثر حركة أو تعليق يُورّطنا به في لحظةِ ضحك جماعيّ، فيما ينجح هو في كبح ضحكته عند الضّرورة، وكأنه غير مُشارِك معنا فيه بتاتا.

على امتداد سنوات ثلاث، شكّلنا بُعْبُعا حقيقيا لمجموعة من الأساتذة، خُصوصا منهم أولئك الذين كانوا يُظهرون جدّية أكثرَ من اللازم في محاربة شغبنا ويُحاولون التعامل معنا بعصبية أو بمنطق نرى فيه، من جهتنا، نوعا من السّلطوية، التي كنّا نسعى، حينذاك، إلى القطع مع جميع أشكالها.

ممّا مَيّز مجموعة المُشاغبين، أيضا، على امتداد السّنوات الثلاث التي أمضيْنا في الثانوية، أنّ عناصرها كانوا دوماً ضمن الأوائل في أعقاب كلّ دورة من دورات السّنة الدّراسية؛ كنّا نُنافس بعضنا من أجل احتلال المراتب المُتقدّمة في ترتيب الناجحين عند نهاية كلّ موسم..

وضعٌ استعصى معه على كثير من الأساتذة أن يستوعبوا كيف أنّ أفراد هذه المجموعة المُشاغبة هُم أنفسُهم، لسخرية الأقدار، العناصرُ الأكثرُ تميّزا وتألقا وإشعاعا في الفصل الدراسي حيث نكون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *