مصطفى قسيوي

 

دعا المجلس الأعلى للحسابات، في تقريره حول الخدمات العمومية عبر الأنترنيت، إلى وضع المواطن في صلب اهتمامات المرفق العمومي وتركيز الجهود على الخدمات عبر الأنترنيت الأكثر طلبا، عبر اعتماد مقاربة ترتكز على «أحداث الحياة» وتتبع مسار المستخدم بكامله، وكذا السعي بصفة إرادية إلى تطوير الخدمات المقدمة تلقائيا وغير المشروطة بتقديم طلب مسبق من المرتفق. كما دعا إلى تدارك التأخير المسجل في تنفيذ مشروع البوابة الحكومية “Gateway” وتحديد آجال للتحول إلى الرقمنة الكاملة.

وحث المجلس في تقريره السلطات العمومية المعنية على “تطوير ونشر إستراتيجية رقمية مفصلة والعمل على إدماج المشاريع الرئيسية للخدمات على الأنترنت التي تطلقها مختلف الإدارات والمؤسسات العمومية بهدف تحقيق تناسق عامّ بين هذه المشاريع، إلى جانب إعادة النظر في الحكامة العامة للخدمات العمومية عبر الأنترنيت، وعلى الخصوص، العلاقة بين وكالة التنمية الرقمية ومختلف الإدارات، لا سيما الوزارة المكلفة بالوظيفة العمومية ووزارة الداخلية”.

كما ذكّر المجلس في تقريره بأن مؤسسات القطاع العمومي تمتلك خزانا من المعلومات القيمة، من قبيل البيانات العمومية غير الشخصية، والتي تتيح للمواطنين والباحثين والأكاديميين والشركات بإيجاد طرق جديدة لاستخدام هذه المعطيات، وبالتالي تطوير منتجات وخدمات مبتكرة.

وأشار المجلس إلى أنه منذ وصول إستراتيجية المغرب الرقمي 2013 إلى نهايتها، شهد المغرب بعض التأخر في اعتماد إستراتيجية رقمية مفصلة. ينضاف إلى ذلك توقف اجتماعات لجان التنسيق المحدثة في إطار هذه الإستراتيجية إلى حدود سنة 2017، التي شهدت اعتماد القانون رقم 16.61، المحدث لوكالة التنمية الرقمية.

وفي مجال تطوير الإدارة الإلكترونية، أشار المجلس إلى أن دور الوزارة المكلفة بتحديث الإدارة يتسم بافتقاده للوضوح الكافي لتمييزه عن دور الوزارة المكلفة بالاقتصاد الرقمي، إذ تبقى هذه المهمة مشتركة بين الوزارتين. وجاء في التقرير أن «نشر البيانات العمومية غير الشخصية (الجغرافية والديموغرافية والإحصائية والبيئية) بصيغ رقمية سهلة الاستغلال يفتح آفاقا جديدة للمواطنين والباحثين الأكاديميين والشركات، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع الرقمي وكذا للإدارة نفسها، إذ يتيح لجميع هؤلاء الأطراف إمكان إيجاد طرق جديدة لاستخدام هذه المعطيات، وبالتالي تطوير منتجات وخدمات مبتكرة».

ولاحظ المجلس، في تقريره، غياب سياسة وإستراتيجية معلنة في مجال فتح البيانات. كما سجل عدم تحديد قواعد البيانات المعنية بالنشر ولا صيغ نشرها أو رخص إعادة الاستعمال المطبقة عليها. وأضاف أن مجال فتح البيانات تأثر بتأخر اعتماد القانون المنظم للحق في الوصول إلى المعلومات، إذ لم يصدر القانون رقم 13.31 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات إلا في مارس 2018، مسجلا أن المعطيات الأكثر أهمية التي تستجيب لحاجيات المواطنين لا يتم نشرها طبقا للمعايير المعترف بها دوليا في هذا المجال.

ووضّح التقرير أن المغرب حقّق في 2014 أفضل رتبة له في تصنيف الأمم المتحدة المتعلق بالخدمات الرقمية خلال الفترة 2008 -2018، وسجل أنه من بين 193 دولة التي شملها التصنيف، ارتقى المغرب من الرتبة الـ115 في 2008 إلى الرتبة الـ30 في 2014. «لكن هذا التطور الإيجابي لم يستمر خلال السنوات الموالية، إذ تقهقر تصنيف المغرب بكيفية ملحوظة في 2018 واحتل المرتبة الـ78».

وفي ما يخص عاملي الرأسمال البشري والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، اللذين يشكلان المكونين الآخرين لمؤشر برنامج الحكومة الإلكترونية الذي تضعه الأمم المتحدة، فإن تصنيف المغرب لم يشهد أي تقدم ملموس وبقي في أسفل الترتيب الدولي: الرتبة الـ148 على مستوى الرأسمال البشري والرتبة الـ104 على مستوى تطور البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، ما يشكل عائقا أمام استعمال واسع للخدمات الرقمية المقدمة من طرف المرافق العمومية.

وأظهرت المقارنة المنجزة لمدى نضج عينة مكونة من 15 خدمة في كل من المغرب ودول الاتحاد الأوربي أن المغرب حقق نسب نضج جيدة بالنسبة إلى ثماني خدمات، من بينها على الخصوص تلك المتعلقة بأداء الضرائب (الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة) والرسوم الجمركية.

وفي المقابل، تظل الخدمات السبع الأخرى بعيدة عن المعدل الأوروبي من حيث مستوى النضج، لا سيما تلك المتعلقة بطلب الوثائق الشخصية، كتسجيل السيارات وتسجيل الشركات حديثة التأسيس وإرسال البيانات المتعلقة بالإحصاءات حول الشركات إلى المندوبية السامية للتخطيط.

وقد اعتمد المجلس على الدراسة المقارنة الأوربية من أجل تقييم مستوى توفير خدمات تخص عينة مكونة من ستة أحداث تهم حياة المواطن، وهي فقدان العمل والبحث عنه والشروع في مسطرة شكاية وحيازة وسياقة سيار ومتابعة الدراسة في مؤسسة للتعليم العالي وتأسيس شركة والقيام بأولى الإجراءات والقيام بالعمليات الاعتيادية لشركة.

وقد مكّن التقييم الذي قام به المجلس من مقارنة المغرب بالدول موضوع الدراسة المقارنة في مجال الخدمات العمومية على الإنترنيت، والخروج بخلاصات حول الفوارق بين ما هو عليه الحال في المغرب وبين ما هو معمول به من الممارسات الجيدة على الصعيد الدولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *