*يونس الخراشي

 

كأنه حدث قبل ساعة، أو قبل دقيقة. كنا، أنا ويوسف هناني، وهشام رمرام، ومحمود أحياتي، وبوجمعة فريات، وآخرون، نلتقي على وجبة “صحفية” فرنسية أو عربية، ندقق فيها، ونفككها، ونعيد تركيبها، كي نضمن لأنفسنا ميزة حسنة في نهاية الموسم الدراسي، ونشتغل، بعد حين.

ثم التقيته، وكنت أهبط الدرج خارجا من مقر جريدة الاتحاد الاشتراكي، بالدار البيضاء، وهو يصعد.

ذهبت أبحث في مواقع مختلفة عن رزقي، أما هو فرزق له أن يشتغل في تلك الجريدة، التي علمتنا كل شيء، وصرنا مدينين لها مدى الحياة بما لا نستطيع رده.

ولأن الدروب تأخذ كلا منا إلى البعيد، فنلتقي بالصدفة، ونعاهد بعضنا، دون جدوى، أن نجلس ونتحدث ونضحك، ونحكي، فقد صار اللقاء بيوسف هناني أشبه بسراب.

وفي المرات القليلة التي التقينا، فيزيقيا أو عبر أسلاك الهاتف، أو رقميا، كان كل ما حولنا يشي بذلك.

أما وأنا أزوره في مستشفى 20 غشت، حيث كان يرقد مقاوما للمرض، فقد أفضى إلي بالكثير. ثم التقينا بعدها لمرات، وتحدثنا، وضحك يوسف، الذي كنت كلما كلمته أبادره بيوسف أيها الصديق، ويأتيني صوته خفيضا، وكأنه اسيقظك للتو من النوم.

من بين الأشياء التي تميز بها ابن سباتة، يوسف، رحمه الله، أنه أحب الإعلام، وتبحر في نظرياته، حتى تاه في دروبه. وأكثر ما اشتغل عليه موضوع الجالية المغربية في الخارج، وبالتحديد العلاقة بين السفارات والقنصيلات وجاليتنا عبر العالم.

حين عدت من روسيا، واقترفت ما اقترفت من يوميات وربورتاجات، كلمني يوسف الصديق، وقال لي :” يونس، أهنئك على ما فعلته بنا. لقد كنت رفيقا لك في رحلتك. تذوقت طعمها، واستنشقت هواءها، وعشت معك اللحظة باللحظة. أشكرك”.

كنت حينها أشعر بقشعريرة تهتز لها ذاتي. وأنا أعرف يوسف جيدا، فهو نادرا ما يطري على عمل. وحين يفعل، فلأنه معجب بالفعل. كيف لا، وهو من كان يملك حسا نقديا عاليا جدا، يشرح به كل ما يقع بين يديه، ويقول كلمته بهدوء، حتى ولو كلفه ذلك انفصالا.

لسنوات طويلة ظل يوسف هناني، خريج المعهد الإعلامي بالدار البيضاء، دفعة 1997، وفيا لجريدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. يعطيها دون حساب. وحتى وهو يقع فريسة للمرض، لم يهن أو يتخل. بل قاوم بصبر وجرأة، وراح يكتب ويخط بجلد.

في المقابل، وجد من يستحق منا اليوم وسام المحبة. من يؤدي عنه أشياء كثيرة، يصعب أن تؤدى على وقتنا.

فمنذ أن أدخل المستشفى، قبل سنوات، ثم وهو يقاوم المرض، كان هناك من يخدمه، ويصغي إليه. ولو أن وحدة المرض تساوي كل وحدة الدنيا مضروبة في ظلام الليل من يوم خلقت الأرض والسموات.

يوسف، يا أخي، رحمك الله. فأنت الآن تجاور أرواحا أحببناها في السماء. ولدي يقين، تعلمت بعضه منك وأنت على سرير المرض، بأنك مع الأخيار. ولعلك تسلم على أبي، الذي تعرفت عليه وأحببته، هناك، وربما حتى على أمي الغالية. وبالقطع، على أحبابك الذين فقدتهم منذ زمن.

شخصيا، سأبقى أنتظر كلامك. وسأنتظر أن تطري على كتاباتي. وحين أمضي إليك، سنتحدث في الإعلام. فقد شغلنا هذا الموضوع عن كل شيء، ولم نتخل يوما عن العهد بأن نعيش طلبة، نتعلم، ونتعلم، ونتعلم، ولا ندعي، مهما يكن، بأننا وصلنا.

أشياء كثيرة تأتي إلى ذهني الآن، لعل ألمعها ابتسامتك التي كنت أحتار في ما إن كانت ستتحول إلى ضحكة أم إلى بكاء. فدعني أبكي بيني وبين نفسي بعض الشيء، ولا تنس أن ترسل لي رسائل جديدة، تبقيني على اطلاع بجديدك.

رحمك الله أيها الصديق، ورحم الله زملاءنا ممن سبقونا إلى دار سنأتي إليها جميعا يوما ما. والله أسأل لك الرحمة، ولنا حسن العزاء في فقدك. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

*كاتب-صحفي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *