عادل الزبيري

 

في شهر رمضان، يرتفع مؤشر التدين في المغرب، وهذا أمر محمود، وهذا أيضا سلوك اجتماعي لا يمكن إلا الفرح من أجله، لأن الدين الإسلامي مدرسة للقيم الإنسانية والأخلاقية النبيلة، كما تربينا عليه في المدرسة وفي الأسرة. فلماذا يقوم شباب بإصدار أحكام التكفير القاسية ضد الداعين إلى العقلانية وعدم التشدد في السلوك الديني؟ وهل صلاة التراويح تتطلب إغلاقا للطرقات وتعطيلا لمصالح الآخرين؟

أظن أن الوقت جاء في المغرب للقيام بثورة اجتماعية هادئة حيال نظرتنا إلى السلوك الديني وحيال طريقة ممارستنا للشعائر الدينية الإسلامية، خاصة في رمضان، لأن رب رمضان، أولا، هو رب الشهور جميعا. كما أن الصيام، ثانيا، كان وسيظل دائما، وفق المنظور الديني الإسلامي، مدرسة قائمة على فلسفة العدالة الاجتماعية للشعور الجماعي بالجوع، أي المساواة بين الفقير والغني عبر الرمض.

أرى أن هذا الحراك الديني وهذا التدافع في المساجد سلوكٌ دافئ في المجتمع المغربي المسلم، ولكن هل من الضروري عرقلة حركة المرور؟ هل هذا من الدين الإسلامي، الذي ينبني على فلسفة “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، كما وردت على لسان الرسول محمد، عليه الصلاة والسلام؟ وهل وصل شبابنا إلى التكفير لمجرد أن الآخر صدرت عنه فكرة؟ أليس هذا نوعا من التدين العابر للشهور؟

ففي الأسبوع الأول من رمضان، تعرضت لموقف مؤسف جدا، يعكس الجانب السلبي من العقلية المغربية. في رمضان شتمني مواطن مغربي ألقبه بـ”شمكار” أو “مدمن مقطوع”، فتفنن في قذفي بكل أنواع السب. استغفرت ربي وانسحبت من سوق حي المحيط، في العاصمة المغربية الرباط، لأن هذا “المُترمضن”، الجائع عن الأكل والشرب، وليس الصائم، لم يعجبه قيامي بواجبي الصحافي، لنقل نبض السوق المغربي.

وكتبت صحافية مغربية، اسمها نورا الفواري، مقالا صحافيا انتقدت فيه سلوك قطع الطرقات لأداء صلاة التراويح، في ليالي رمضان، فتعرضت الصحافية المغربية لكل سب وشتم وتكفير، من شباب مغاربة ينصبون أنفسهم، من دون وجه حق قانوني، محامين وقاضين، وهذا سلوك مرفوض من كل العقلاء في المجتمع المغربي.

كما أنني، من جهتي، ولما علقت، تفاعلا مع زميلتي الصحافية المغربية، نالني نصيبي من شتم وسب وتكفير وقذف، من شباب يعدّون أنفسهم مدافعين عن الدين الإسلامي، وأننا أي نحن أيضا “كفار” و”أن لعنة الله علينا إلى يوم الدين”، ونسوا أن الله قال في محكم تنزيله، في القرآن الكريم: “ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة”. الآية.

أظن أن هذا العبث باسم الدين يتوجب أن يتوقف، فالصحافيون يضمن لهم القانون المغربي الحق في حرية الرأي والتعبير والحق في ممارسة مهنة الصحافة من دون خوف من ترهيب.

ويبقى الصحافيون تحت طائلة المسائلة القانونية إذا ارتكبوا أي خطأ مهني، سواء بقانون الصحافة أم بالقانون الجنائي، فالأحرى في نظري، بالشباب المكفرين للآخرين، أن يمسكوا عقال أصابعهم عن كتابة جمل الشتم والقذف والسب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأنهم يعرضون أنفسهم للمحاسبة القانونية.

أظن أن كتابة مقال صحافي، عن سلوكيات رمضانية اجتماعية تمثل ضررا بالحياة الاجتماعية وتظهر في رمضان ويراها الصحافي المهني بعين العالم الاجتماعي الصغير الذي ينتمي إلى صميم مجال اشتغاله، المحمي بموجب القانون، والمؤطر بأخلاقيات المهنة.

ما يضر اليوم في المغرب هو هذا “الترامي الحر” على الصحافيين، بتكفيرهم وهدر دمهم وشتمهم وقذفهم وسبهم، كأنهم كائنات آتية من خارج كوكب الأرض، وكأنهم لسوا لا مسلمين ولا مؤمنين، لمجرد قيامهم بانتقاد سلوكات اجتماعية يجري نسبها بالقوة إلى الدين، وهي من مظاهر التدين الاجتماعي المغربي.

والحمد لله في المغرب أن العبادات محمية بمظلة مؤسسة اسمها إمارة المؤمنين، لأن صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، هو أمير المؤمنين لكل المغاربة والضامن لحرية الممارسة الدينية للمسلمين وللمسيحيين ولليهود.

أرى أن الضرب بيد من حديد، باستعمال القانون، ضد كل من يتجرأ على تكفير الآخر، من المواطنين المغاربة، فيه حماية للحرية الدينية في المغرب، وتصدّ للشباب الجاهلين بأمور الدين الإسلامي، لأنه مستخدم بكيفية كارثية للفوضى الساكنة في مواقع التواصل الاجتماعي.

وأذكر الشباب القاذفين لي، عبر حسابي الشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي، بأن صلاتي وعبادتي ونسكي وأفعالي لوجه الله، ولا أطلب من أحد أي وثيقة لحسن سيرة وسلوك ديني.

وعوض التشهير بي أو بغيري، يتوجب على هؤلاء الشباب السائبين في كتاباتهم أن يعرفوا أن الدين الإسلامي لا يحميه الجهلة بالسب والقذف، ولكن الدين يدافع عنه بالحكمة والموعظة الحسنة العلماء الأجلاء، فالآية الكريمة في القرآن تقول “إنما يخشى الله من عباده العلماء”.

لم يعد مقبولا، في تقديري، السماح باستخدام الفضاءات المفتوحة أمام الجميع، بولوج حر على عواهنه، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، لكي تتحول إلى مشانق جديدة أو محاكم تفتيش لأفكار الآخرين أو لآرائهم.

فكما يطالب البعض بعدم الجهر بالإفطار في رمضان في المغرب، فمن الواجب، في نظري، على المصلين الابتعاد في ليالي رمضان، عن الطرقات العامة، لأنه احتلال للملك العمومي قانونيا، ولأن في اهذا لسلوك، المرفوض مجتمعيا، تعطيلا لمصالح عباد آخرين لله، لديهم ظروف تدفعهم إلى استعمال الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *