عبد الرزاق بوتمُزار

 

ح. 14

لحظاتُ التميّز

بعد شهر كامل، التحقتُ، مجددا، بمقاعد الدّراسة. ولأنّني كنتُ قد غبتُ عن العديد من الحصص، فقد أعْفتني الإدارة من اجتياز امتحانات الدّورة الأولى.

باستثناء الإنجليزية، التي كانت الجديدَ الوحيد بالنسبة إليّ، لم أشعر بأنه قد فاتَني الكثير. أمضيتُ ما تبقى من تلك الدّورة وأنا أحاول تدارُكَ ما ضيّعتُ من دروس، في لغة شكسبير على الخصوص. وبفضل بعض كتب التقوية و”مُثابَرتي” سرعان ما أصبحتُ من تلاميذ الأستاذ محمود المُتميّزين.

عند نهاية الدّورة الثانية، حصلتُ على مُعدَّل عامّ فاجأ الجميع، بمن فيهم أنا! تسيّدتُ الفصلَ الذي كنتُ أدرس فيه وحفرتُ اسمي بين الأوائل على صعيد المؤسَّسة.

كان لتلك النتيجة المُبهرة وقعٌ خاصّ عليّ. لقد برهنتُ لنفسي، قبل الجميع، بأنّني لم أكن أستحقّ، مُطلقاً، كلّ الغبن والظلم اللذيْن لحقانِي في تلك السّنة السّوداء الأخيرة من الطور الإعدادّ.

شخصٌ آخر أذهلته نتائجي، أستاذ الرّياضيات.. لم يُصدّق الرّجل أن أحتلّ موقع الرّيادة رغم النقطة “المخجلة” التي حصلتُ عليها في مادّته. وحين التحقنا بمقاعد الدّراسة، بعد عطلة قصيرة، جاءني أستاذ “الماط”، ذاتَ صباح، مُحاوِلاً أن يَفهم سرّ “تكليختي” المُستديمة في لغة الأرقام.

أذكر أنه كان مُتفائلاً جداً بشأن جعْلي أتجاوز ذلك التأخّر المستفحل. خصّص لي وحدي حصّة كاملة تقريبا. حاول، جاهدا، أن يُلقّنني أبجديات المُعادَلات الرّياضية. كانت لدى الأستاذ رغبة أكيدة في أن يجعلني أستفيد من مادّته لأضيف مزيدا من التميّز إلى مساري الدّراسي؛ لكنْ، بعد مُحاوَلات ومُحاوَلات، اقتنع بأنّ آخر ما يمكن أن أستوعبَه في هذا العالم هو الرّياضيات!

غيّرت النتيجة التي حصلتُ عليها في تلك الدورة خارطة التوافُقات داخل الفصل وشكّلت القاعدة الأساسيةَ التي انبنتْ عليها علاقتي بالأساتذة وبرفاق الدّراسة خلال السّنوات الثلاث التي سأمضيها في ثانوية موسى بن نصير. كما غيّرتْ نظرةَ الكثير من أفراد أسرتي إليّ، هم الذين كانوا قد صنّفوني، تبعا لنتائجي المُخيّبة للآمال خلال المرحلة السّابقة، على أنّني شخصٌ.. لا يَصلُح لمقاعد الدّرس!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *