إعداد: عبدو المراكشي
هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.
درس ضيف حلقتنا الليلة الروائي المغربي فؤاد العروي الرياضيات والهندسة في “مدرسة الطرق والقناطر”، قبل أن يصير كاتبا مشهورا وأحد أبرز كتاب القصة باللغة الفرنسية، الحاصل جائزة غونكور للقصة في 2013.
وحصل العروي على الجائزة بفضل روايته “ليترونج أفير دي بنطالون دو داسوكين” (قضية بنطال الدسوكين الغريبة).
وتسلم العروي، خلال حفل شارك فيه، بالخصوص، عضوا أكاديمية غونكور الطاهر بنجلون وبول كونسطون، الجائزة من عمدة ستراسبورغ رولان رييس الذي أشاد، في كلمة بالمناسبة، بالعمل الروائي للكاتب المغربي الشاب وبأسلوبه، معبرا عن اعتزازه بتسليمه هذه الجائزة، التي تحتضنها المدينة منذ 2001، والتي باتت تندرج منذ خمس سنوات من بين التظاهرات الكبرى لمهرجانها الأدبي المسمى “المكتبات المثالية”.
وتحدّث الروائي المغربي الطاهر بن جلون عن الموهبة الكبيرة التي يتمتع بها فؤاد العروي “الذي أولى اهتمامه لجنس أدبي صعب هو القصة القصيرة حيث لا حق للكاتب في الخطأ”. وقال إن أعضاء أكاديمية غونكور اتفقوا، بالإجماع، على منح الجائزة للكاتب المغربي فؤاد العروي تقديرا لـ”أسلوبه وإبداعه الأدبي الحر”.
ازداد فؤاد العروي في وجدة 1958، وهو كاتب واقتصادي. وبعد دراساته في المدرسة الوطنية للقناطر والطرق في فرنسا، اشتغل مهندسا في المكتب الشريف للفوسفاط في خريبكة، قبل العودة إلى أوروبا حيث حصل على دكتوراه العلوم الاقتصادية من بريطانيا. ويعيش حاليا في أمستردام، حيث يدرّس الاقتصاد وعلوم البيئة في جامعتها.
أصدر فؤاد العروي عدة روايات ومجاميع قصصية، منها “أسنان التوبوغرافي” (1996) و”اليوم الذي لم تتزوج فيه مليكة” (2009) و”عام عند الفرنسيين” (2010).
لا يتردد العروي في مقاربة مواضيع راهنة مثيرة للجدل في رواياته وقصصه وتسجيل مواقف راديكالية فيها بطابعها الحداثوي المنوّر، مستعيناً ببصيرة تتعذّر مناقشتها وبحسٍّ دعابي عال وقارص. وهو ما يمنح نصوصه خفّتها وعمقها في آن. كما كُتب عنه.
وتزكي هذا الطرحَ روايته «متمرِّدة مدخل فلاندر»، حيث “الدم الذي يسيل في نهايتها ويضفي جانبا مقلقا على العالم العبثي الذي اعتاد الكاتب تصويره لنا. جانب يبرّره العروي بقوله «أحداث السنوات الأخيرة، خصوصا الجرائم التي وقعت في الحيّ الذي أقطنه في باريس، وفي مدينة نيس، صدمتني.. من الصعب البقاء في الدعابة أو السخرية حين نتواجه مع هذه الفظاعات».
كتب عنه أنطوان جوكي “مرة أخرى، يثبت الكاتب المغربي فؤاد العروي موهبته كقاص من الطراز الأول، في مجموعة جديدة صدرت عن دار “جوليار” الباريسية بعنوان “عرس البولوني الخرافي”، وتقارب قصصها الخمس كالعادة موضوعَي الكذب والعبث، بفطنة وحس دعابي كبيرين.
ونشير، في البداية، إلى أن قصص هذه المجموعة مستقاة من الواقع اليومي المغربي، وبالتالي لا طموح فيها إلى سرد ملاحم أو حكايات خارقة، بل إلى نقل تفاصيل لقاء شلة من الأصدقاء في مقهى لمناقشة مسألة عبثية تطرحها شخصية رئيسية تبدو كأنها -على حدة- في عالم مواز لعالم معاصريها.. في القصة الأولى التي تمنح الديوان عنوانه ونبرته، نتعرف إلى طبيب أسنان بولوني يدعى “ماتشيك” ويجد نفسه -بفضل اتفاق تبادل بين الدولتين المغربية والبولونية- مسؤولا عن سلامة أسنان موظفي “الشركة الوطنية لمناجم الفوسفاط” في خريبكة.
فتنه الثقافة المحلية بسرعة فسعى جاهدا إلى اكتشاف عادات وتقاليد وطقوس سكان المدينة وإلى تعلم اللغة العربية المحكية في المغرب… ومع عدم وجود عرس مبرمج في الأفق بسبب معاشات عمال الشركة المغاربة التي لا تسمح بدفع تكاليفه، يقترح أحدهم على ماتشيك تنظيم حفلة زفاف مزيفة يؤدي فيها دور العريس. ورغم أن الفكرة ستغوي الطبيب فورا، فإن كلفة تطبيقها ستكون عالية وغنية بالمفاجآت.
في القصة الثانية التي تحمل عنوان “الأب والابن والمنتقِم المقنّع”، نتعرف إلى مصارع يحمل لقب طاوي الهندي ويتمتع بشهرة كبيرة في الدار البيضاء بفضل قوته البدنية، لكنه بالكاد يكسب من المباريات التي يخوضها ما يكفيه من المال. ولتحسين وضعه المادي، يبتكر شخصية مصارع مقنع يؤدي بنفسه دورها على الحلبات، لكنها لن تلبث أن تنافسه وتضعه أمام معضلة يتعذر حلها. قصة تستحضر عالم المصارعة في الدار البيضاء خلال سبعينيات القرن الماضي، وتسعى في مقاربتها موضوع الهوية إلى الإجابة عن السؤال التالي “هل على المصارع أن يقتل والده كي يكون؟”.
وتابع أنطوان جوكي “وتحمل القصة الثالثة عنوان “اللوحة الغامضة”، وتقع أحداثها في أحد الأحياء القديمة بمدينة مراكش، ويؤدي دور البطولة فيها مفوض الشرطة حمدوش الذي سيكشف هوية القاتل في قضية قديمة بتمعنه في لوحة تشكيلية معلقة في مطعم، أمام الطاولة التي يتناول عليها غداءه كل يوم”.
وأضاف “بينما تبدو فكاهة العروي رقيقة حين يتعلق الأمر بسرد أكاذيب الناس البسطاء، تصبح في غاية الشراسة حين يتعلق الأمر بفضح أكاذيب المؤسسات الرسمية والحكومة”.
ولا شك، يختم جوكي، أن “لغة الكاتب تلعب في هذا السياق دورا رئيسيا، إذ نجده يتلاعب بالكلمات والتعبيرات بسهولة مدهشة، ويستقي ويوظف مفردات من لغات مختلفة، دون أن نشعر إطلاقا بأي ثقل في سردياته التي تُقرأ بمتعة نادرة وتشكّل تحية رقيقة ومؤثرة لأبطال الواقع اليومي في بلده”.