إعداد: عبدو المراكشي
هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.
لم تكن رشيدة داتي امرأة عادية، خصوصا في الساحة السياسية الفرنسية، التي اقترن فيها اسمها ولمع في عهد “اليمينيّ” ساركوزي.
وُلدت رشيدة داتي في 27 نونبر 1965 في “سان ريمي” بورغندي في فرنسا، وهي أم لـ”زهرة” (2009)
تكونت في المدرسة العليا للتجارة، ثم في جامعة بانتيون. والتحقت بالمدرسة الوطنية للقضاء للدراسة القانون. وحصلت كذلك على ماجستير في القانون العام وعلى ماجستير في العلوم الاقتصادية (إدارة الشركات). قبل أن تظهر في حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية.
والد رشيدة مغربيّ وأمها جزائرية. تعد أول امرأة من أصل “عربي” تتولى حقيبة وزارية في الحكومة الفرنسية.
عُيّنت رشيدة ذاتي متحدثة باسم نيكولا ساركوزي في الانتخابات الرئاسية 2007. وشغلت منصب حارسة أختام الجمهورية، ثم وزيرة للعدل في حكومة فرانسوا فيون الأولى والثانية، من ماي 2007 حتى 23 يونيو 2009. كما شغلت منصب رئيسة بلدية الدائرة السابعة في باريس منذ 29 مارس 2008. وهي، أيضا، نائبة في البرلمان الأوربي منذ 14 يوليوز 2009.
هي ثاني مولود بين إخوانها وأخواتها البالغ عددهم 11 في عائلة مهاجرة متواضعة. نشأت رشيدة في حي فقير وعملت مساعدة ممرضة من حين إلى آخر لتمويل دراستها. وكانت تهتمّ بأشقائها وشقيقاتها. كانت الثانية بين ثماني بنات وأربعة أطفال. وفي خصم ذلك ثابرت على دراستها.
عملت في الشركة النفطية الفرنسية الكبرى “إلف” ومجموعة ماترا للاتصالات وعملت كقاضية في العام 1987.
صمّمت على الالتحاق بفريق ساركوزي. وقالت في هذا السياق “كنت أرغب في العمل معه، فكتبت له ولم أتلق ردا، ثم كتبت ثانية ولا رد.. وبما أنني كنت مصرة حقاً فقد كتبت إليه مرة ثالثة فرد عليّ”. ثم استقبل ساركوزي القاضية صاحبة السيرة الذاتية الطويلة، فقرأ وأصغى واقتنع ووظّفها.
في 2009 أنجبت رشيدة داتي ابنة سمّتها فاطمة الزهراء. لم تكشف رشيدة عن والد البنت. لكنّ “الإشاعات” تناقلت بعض الأسماء..
قيل الكثير عن الأب المفترَض لهذه الطفلة. فتحدث البعض عن رئيس الوزراء الإسباني السابق خوسي ماريا أزنار وتحدّث آخرون عن ونيكولا ساركوزي نفسه وعن أخيه فرانسوا، ثم عن المدعي العام القطري.. وفي أواخر سنة 2012 قالت رشيدة ذاتي، علنا، إن أبوة البنت تعود إلى رجل أعمال مليونير يدعى دومينيك ديسين وإنها تسعى لدى القضاء من أجل إثبات هذا الأمر.
تم تعيين داتي ضمن تشكيلة وزارية مقلصة تضم 15 وزيرا، يتوزعون مناصفةً بين الرجال والنساء، في مؤشر على سعي الرئيس اليميني حينذاك نيكولا ساركوزي إلى “طمأنة” الأجيال الجديدة من المهاجرين المغاربيين.
نجحت داتي، بفضل مؤهلاتها الأكاديمية المختلفة،وفي تأمين عمل في الشركة النفطية الفرنسية الكبرى “إلف” ومجموعة ماترا للاتصالات. فوق ذلك، أتيحت لها الفرصة لمتابعة دراستها والحصول على الماجستير في إدارة الأعمال. وعملت ما بين 1993 -1994 في قسم تدقيق الحسابات في البنك الأوربي للتعمير والتنمية في لندن. وبعد أن درست القضاء في المدرسة الوطنية للقضاء (1997 -1999) عملت بعض الوقت في مجال القضاء. ثم استدعاها وزير الداخلية آنذاك، نيكولا ساركوزي، في 2002 وعيّنها مسؤولة في مبادرته التي أطلقها لمكافحة الجريمة.
وكانت وزارة الداخلية قد كلفتها بإعداد قانون حول الحد من الجنح بين 2005- 2006. وكانت داتي صلةَ الوصل بين ساركوزي وشبان الضواحي الفرنسية، التي شهدت أعمال عنف واسعة النطاق في أواخر 2006. ولعبت دورا بارزا في تحسين العلاقات المتوترة بين ساركوزي والجاليات المهاجرة في الضواحي.
في دجنبر 2006، التحقت بصفوف حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، بزعامة نيكولا ساركوزي، الذي نشأ عن الحزب الديغولي السابق، التجمع من أجل الجمهورية. وفي 14 يناير 2007، عيّنها ساركوزي ناطقة باسمه في الحملة الانتخابية.
تقلدت رشيدة داتي منصب وزيرة العدل في فرنسا، في أوائل حقبة رئاسة الرئيس ساركوزي 2007. ولم تطل مدة تقلدها هذا المنصب بسبب حملها ووضعها لفتاة سمتها “زهرة”. لم يتسن لأحد معرفة والد الطفلة؛ لأنها لم تكن متزوجة من أحد. حاول الصحافيون معرفة اسم الوالد، ولكنها لاذت بالصمت المطبق. وبعد إعفائها من منصبها في وزارة العدل صارت عضوا في الاتحاد الأوربي.
بكل الطرق والضغوط العاطفية، حاولت داتي مع الأب أن يعترف بأبوته لهذه الطفلة ولكنه رفض بقوة، بل تفوه لبعض الصحف بكلام خادش للحياء في حق الوزيرة.
كبرت “زهرة” ولم يتسن لداتي التوصل مع ذلك الأب المتجاهل لتلك العلاقة، ما أغضب داتي وجعلها تلوذ للقضاء في هذه القضية التي شغلت الرأي العام الفرنسي. رفعت داتي قضية ضد عشيقها المليونير الفرنسي دومينيك ديزني (48 سنة) وصاحب سلسلة الفنادق العالمية الشهيرة “لوسيون بايير”…
كانت داتي مقربة من زوجة الرئيس الفرنسي، سيسيليا، التي كان لها الفضل الكبير في تعيينها ناطقة رسمية باسمه. ونالت داتي إعجاب وسطها السياسي بفضل دأبها وجديتها في العمل. ولعبت سيمون فيل، الوزيرة الفرنسية السابقة، دورا كبيرا في تشجيع رشيدة على الاتجاه إلى مهنة القضاء، إذ اشتغلت داتي في عدة مؤسسات وتمكنت، بفضل كفاءتها واجتهادها، من أن تفرض ذاتها في الحقل القضائي. وبفضل علاقاتها المتميزة مع نخب اليمين الفرنسي، صارت داتي مستشارة لساركوزي ف 2002 في شؤون الهجرة، بعدما تولى وزارة الداخلية.
في خضمّ ذلك، ربط مراقبون تعيين رشيدة داتي في موقع الناطقة الرسمية باسم مرشح اليمين وكذا المغربية نجاة بلقاسم ناطقةً باسم المرشحة الاشتراكية سيغولين رويال، بـ”إستراتيجية انتخابية” هدفها تحويل الجالية المسلمة في فرنسا إلى كتلة انتخابية فاعلة في توجيه نتائج الانتخابات الرئاسية.
وأدرك ساركوزي وجود فئة ناخبة مهمة من المجتمع الفرنسي متحدرة من الهجرة المغاربية والإفريقية يجب الفوز بأصواتها، خاصة أن سجله مع المهاجرين لم يكن نظيفا، بسبب وصفه شباب الضواحي بـ”الرعاع” في أحداث الشغب نهاية 2005، حين كان وزيرا للداخلية.
صرّحت رشيدة داتي بأنها لا تشكو من أصلها المغاربي ولا تفتخر به وقالت “يجب التوقف عن اعتبار المواطنين من أصل أجنبي مصدر مشاكل”. وتابعت أن “النجاح ليس أكيدا بالنسبة إلينا، لكن الجمهورية تفسح أيضا المجال أمام مسيرات ناجحة. والامتحانات هي نفسها بالنسبة إلى الجميع”.
وصفت صحيفة “ليبراسيون” اليسارية رشيدة ذاتي بأنها “الرمز المثالي للاندماج السعيد” في بلد كشفت فيه اضطرابات 2005 في ضواحي كبرى المدن، حيث الغالبية من المهاجرين، شروخاً تنخر البلاد”…