عبد الرزاق بوتمزار: le12.ma
اليـومُ الـثـ8ـّـامــنّ
الثالثة عصراً. انتهتْ نوبة العمل. مِـن حسنات “بَابَـا رْمضانْ” أنّ اللّي عْندو شي خْدمة كيديرْهـا “ديريكـْتْ”.. لا وقتَ مستـقطَعاً للإفطار ولا لتدخين سيجارةٍ ولا لـ”نميمة” جانبيّة، ولا حتى لوجبةِ غـداء، طاجينٍ أو عـدسْ..
منذ أن تشتعل الشّاشة أمامَك هاتِ ما لديك.. اضربْ يمينا وشمالاً. اقرأ عن أردوغان أو عن سجون بنهاشم أو عـن وليّاتٍ هُنا أو هناك.. فقط لا تنسَ أنّ اليوميّ ينتظركَ في صفحاتٍ قـارّة. فلتُلقِ، إذن، وأنتَ غارقٌ في عـوالمِ الفسحات، نظـرة بين الحين والحين، على ما لا يقبل التّأجيل..
استـطعتُ، في نهاية المطاف، أن “أوفًر” حلقة مِـن كـُلّ فسحة. أحكمتُ الإقـفال عليها في الثلاجة. أطفأتُ الجهاز وغـادرتُ “الـدّيوان”.
الرّابعة. صهـدٌ وعطشٌ متربصان وفراغ. ثلاث ساعاتٍ ونصف. يبدُو النـّوم خياراً مناسباً بعـد يـومٍ شاقّ وصائم. تصلني دعوة إلى إفطار، عبر “ميسّاج”. أرُدّ، وأعيد الهاتف إلى مكانه. أيّتها القيلولة الخائنة، تعرفين أنـّه رمضان، لا مجال للخيانة. سأنتقم منكِ انتقـاما.. ولليـومِ الثـّامن عـلى التـّوالي، حافظتُ عـلى تقليدِ النـّوم، ولو ساعتين.
،الخامسة وبعض دقائق. نظرة كسلى إلى ساعة الهاتف. المُنبّه اللّعينُ لا يزال منكفئاً عـلى وجهه حيث تركتُه صباحاً. لا تظهر لي فيه السّاعة في الوضع الـّذي هو فيه. استدرتُ إلى الجهـة الأخرى، وضعيّـة مُخالفـة، يتـواصل الانتقام..
السّادسة وبعض دقائق. قطراتُ عرقٍ خفيفة. كنتُ قد تمدّدتُ عاريّا إلا مِـن فوطة، بعد دشٍ بارد.. أتمدّد عـلى ظهـري. تواجهُني النّافذة المُشرَعـة عـلى آفاقٍ تضيق لغيابك.. أعـوذ بالله. اللهـُمّ إني صائم. عُـد إلى نـومِك أفضلُ لك مِـن مثل هذه الأفكار الشّيطانية..
السّابعـة وبعضُ دقائق. لم يعـُد ثمّة مجال لمزيد من التّلكـّؤ، كفاكَ نوما.. كانتِ الأصواتُ المتسلّلة عبر النّافذة تُعطي الانطباع بأنّ الوقتَ قد دخل مرحلة عـدّ عكسيّ. كبيـرٌ أنتَ، بابا رْمْضانْ، الكـُلّ يحتفلُون بالطّعام.. أجّلتُ أفكاري إلى ما بعد الإفطار. خنقتُهـا في تلابيب ملابسي ونزلتُ الأدراج، أبحث -كبقيـة خلقِ الله- عن طعام..
حانتْ منّي التفاتة صوب “البْهجة”، مُولْ الحُوت. منذ أيامٍ لم أفطـرْ بمقلياتِه الشعبية الشّهية. كان محلّه الصّغيرُ مُقفَلاً، لكنْ رمقتُه واقفاً هناك. افتقدتُ حُوتَه وأيضاً مبلغا كنتُ قد أقـرضتُه إيّاه.. تبسّمَ فـي وجهي وقبّلَني وهو يعتذر. قال إنه لـَم يشتغل ثلاثة أيامٍ كاملة. فهمتُ مِن كلامه أنّ عليّ أن “أستأنِف” على الخمسمائة درهم..
يمّمتُ شطر “الشّْريفة”: لا مناصَ من سرديناتِهـا السّتّ، مـرّة أخرى. مْلويّـة وثلاث بغريرات. أمليتُ عليها “الكُومُونْد” وتابعتُ صعوداً نحو السّويقة.. وفي السّويقة عليك أن تتفادى كلماتٍ حادّة كالسّيوفِ. تفادَ، أيضاً، بعْضَ “صْروفْ” الخضّارين وبائعي الموزِ والتـّفاح.. قد تأخُذ أحدَهم التـّرْمضينة فجأةً فيُشَيّـرُ بنصف كيلـُو عـلى جاره فقط لأنّه امتنع عـن أن يمُدَّه بفكّة 50 درهماً وهو يعرف أنها متوفّرة لديه.. ولأنه رمَضان، والتّركيزُ يقِـلّ، فقد تخطئ الرّمية اتّجاهَها.. أمِن أجْلِ قنّينة “رايبْ” نـُغامر بعُبورِ غابة مُصغّرة، في مُجتمعٍ “صائم”!؟
بائعُ الرّايْب صار يستقبلُني بابتسامة عريضة وسؤال عـنِ الحالِ والأحوال..
(اللهْ يْبـارْك فيكْ.. غيـرْ عْطيني وْكانْ، خْلّيني نـْشريهْ مْن هْنا ما حْدّو رْخيصْ.. قبْل ما شي مُـولْ الرّايبْ يْكعى وْيشِيّـر عـْلى صاحْبو بشي قرْعة مْحلولـة نْصدقُو مدُوّشينْ حْليبْ وْمكـْسّرينْ رْمضانْ بْسببْ تْرمضينة)..
قلتُ لي، وأنا أمدّ إليه العشرة دراهم، ثمن لتر من الـرّايْب.. وقبْل أن أنزلَ عبْر الزّقاق الطويل، تراءتْ لي محبُوبتي… الهِنْديّة!