كولومبيا-محمد بنمسعود

فضلا عن البعد الروحي، يشكل شهر رمضان المعظم فرصة سانحة بالنسبة إلى الجالية المسلمة المقيمة بكولومبيا لتعزيز روابط التضامن والتوادد والعيش المشترك.

ورغم الاغتراب والبعد الجغرافي، يحاول مسلمو كولومبيا، البالغ عددهم نحو 10 آلاف شخص، بحسب أرقام غير رسمية، جاهدين أن يعيشوا أجواء رمضانية تحاكي تلك التي تعرفها دولهم الأصلية والإبقاء على قيم التقاسم والاتحاد قائمة في هذا الشهر الكريم.

وحدها المساجد هنا تشكل فضاء للالتقاء ولمّ شمل الجالية الإسلامية المقيمة بهذا البلد الجنوب أمريكي، والتي تتحدر على الخصوص من المشرق، لتقاسم لحظات من الفرح وتعزيز روابط الأخوة والاتحاد.

في بوغوتا، حيث يبلغ عدد المسلمين نحو ألف شخص، يتدفق المسلمون على مسجد أبي بكر الصديق بكثافة، قادمين من مختلف أنحاء العاصمة، التي يقطن بها 8 ملايين شخص، لأداء صلواتهم والتقرب إلى الله في شهر التوبة والغفران.

وطوال رمضان الكريم، يصبح هذا المركز الديني وجهة محورية لمسلمي بوغوتا، الذين يتدفقون عليه بكثافة للتقرب إلى الله من خلال الصلوات والإيثار والتضامن وتقريب أطفالهم من تعاليم الإسلام.

في هذا السياق، قال جمال الدين الصبيحي، وهو مواطن يمني يقيم في كولومبيا منذ 11 عاما، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن مسجد بوغوتا، الذي بني في 2013، يضطلع، فضلا عن دوره الديني، بدور اجتماعي مهم للغاية لفائدة الجالية الإسلامية، إذ يمكّنها من تعزيز روابط الأخوة والتضامن وتجديد ارتباط أفرادها بقيم الإسلام النبيلة.

وفي هذا الشهر المعظم، يضيف الصبيحي المتزوج بمغربية، يصبح مسجد بوغوتا كل جمعة وجهة رئيسية يجتمع فيها مسلمو العاصمة الكولومبية ويؤدّون فيها صلواتهم ويجددون التزود بقيم الإسلام، القائمة على التسامح واحترام الآخر والعيش المشترك.

وفي تصريح مماثل، قال بسابي الحسن، المتحدر من غانا، إنه ينتظر بفارغ الصبر قدوم شهر رمضان ليتمكن من العيش في أجواء الرحمة والأخوة التي تطبع الشهر المعظم والاطلاع على مستجدات أشقائه في الدين.

وتوقف هذا المواطن الغاني، الذي استقر صدفة بكولومبيا، التي وصلها قبل 21 عاما بهدف الهجرة سرا إلى الولايات المتحدة قبل التخلي عن هذا المشروع، عند الحنين إلى الأجواء الرمضانية الحميمية التي كان يعيشها رفقة أقاربه في بلده الام، مضيفا أن صلاة الجماعة والإفطار المشترك يمنحان الجالية الإسلامية فرصة فريدة لتقاسم لحظات من الفرح والتوادد ونسيان متاعب الحياة في بلد الاستقبال.

ومن جهته، حكى خيرمان أندريس موخيكا، وهو كولومبي اعتنق الإسلام قبل عام، عن تأثره بروح الأخوة والإيثار والتقاسم التي تسود خلال شهر رمضان داخل مسجد أبي بكر الصديق، موضحا أنه اعتنق الإسلام عن قناعة بعدما قرأ عددا كبيرا من الكتب حول هذا الدين وعاش مع المسلمين في شمال كولومبيا حيث كان يقيم قبل الاستقرار ببوغوتا.

وتابع خيرمان قائلا “الإسلام مهّد أمامي الطريق نحو السعادة ومكنني من استعادة الطمأنينة والسلام الداخلي، بعد فترة فراغ روحي وشكوك”، معربا عن سعادته لاعتناقه الإسلام، الذي يحث على احترام الآخر والتعايش السلمي بين المؤمنين من مختلف الأديان.

وكشف المهندس الكهربائي أنه لم يتعرض يوما ما للتمييز في مقر عمله، مشيرا إلى أنه فضل إطلاق مشروع خاص من أجل التحرر من إكراهات توقيت العمل وأداء صلاة الجمعة والتراويح في المسجد وحضور الدروس الدينية للإطلاع أكثر على تعاليم الإسلام.

أمّا أحمد الطايل، مدير الجمعية الخيرية الإسلامية، التي تشرف على مسجد أبي بكر الصديق، فقال إنه على غرار باقي السنوات السابقة، تم اتخاذ مختلف الإجراءات الضرورية لتمكين المؤمنين من صيام رمضان في أفضل الظروف، مبرزا أنه جرى تصميم برنامج غني ومتنوع يشتمل أنشطة دينية وثقافية متنوعة بمناسبة رمضان. ويتعلق الأمر بصلاة التراويح والدروس الدينية التي يؤمّنها إمام المسجد، ومسابقات حول حفظ وتجويد القرآن الكريم، ودروس اللغة العربية لمن اعتنقوا الإسلام حديثا، وفق المتحدث ذاته.

وأضاف الطايل أن الإسلام أخذ يثير في السنوات الأخيرة اهتمام عدد متزايد من الجامعيين والمثقفين الكولومبيين، مشيرا إلى أن ما بين 40 و60 مسلما من مختلف الجنسيات يستفيدون يوميا من إفطار جماعي. وذكر أنه يجري خلال هذا الشهر جمع تبرعات لمساعدة الفقراء، مثمنا مناخ الاحترام والحرية والتسامح السائد في البلد الجنوب أمريكي.

وخلص هذا المترجم السوري، المقيم في كولومبيا منذ أزيد من عشرين عاما، إلى أن أعضاء الجالية الإسلامية مدعوون إلى إعطاء صورة جميلة عن دينهم للتعريف بتعاليم الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى الاحترام والعيش المشترك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *