عبد الرزاق بوتمُزّار

 

اليـومُ الـسّـ7ـابـعّ

عُدتُ اليومَ، مِـن بـاب التشفّي، إلى بّـا المْعـْطي. الخضّـار، بـائع الكـْرمُـوس الوحـيد فـي السّْويقـة.
-بْشحـالْ هـادْ الخـيـرْ، أعْمـّي؟

سـألتـُه، وأنـا أتجاهل ذكرَ اسمه. تطلـّع إلـيّ، بعينيه الـْتـُشْبهانِ عينـَيْ بُـومٍ أرْمَلَ. كـان مُنهمكـا فـي توضيب فواكهه في صناديقَ خـارجَ محلـّه الضيـّق. عقـد حـاجبَيه، وهـو يقترب منّي.
-…. دْريـالْ!
-شحـالْ كَـْلتِ لـِيَّ؟
-رعْمِـيّـة دْريـالْ!
-ربْعْميّـة دْريـالْ؟ وابـْزّافْ!.. كـْنتِ دايْر ليهْ غيرْ ثلثـْمِيّـَة دْريـالْ..
-واهـادي راهْ سْلْعة جْـديدة، عـاوْد مـاشي اللـّي كـانتْ..

عنـدما أبديتُ مـا يَشِـي بأنـّني غيـرُ مُهتمّ، تـابَع وهـو يتنـاول حبّـة شهيّـة ويـرفعهـا فـي اتـّجاهي:

-وْهـاداكْ اللـّي كتـْدّي مْنّو راهْ بـاكـُورْ، هـذا راهْ كـْرمُـوسْ، فـْهمتِ؟ وْحاجة مْزيانة.. شْحـالْ نعـْبـرْ ليكْ؟
-لا، غـالِي عـْليّ.. ربعْ ميّـة! كثيرة عْـليّ، واهْ! نـْدُوّزْ زْلافـَة ديـالْ لـْحريرة بـ400؟!

قلتـُهـا وأنـا أخطـو مبتعدا عـن صندُوق التـّينِ.

-أودّي، راهْ 320 بـاشْ طايْح عْلينـا مْن بْلاصتـُو..
(أنتَ طـايْح عْليـكْ بـْ320، تـْبيعـُو لـيّ أنا بـْ400؟) أسررتُ لـي، وأنا أقول له:

-مْـرّة أخـرى، راكْ غـْلٌيتِ عْـليّ اليـُومْ (عـْلاهْ غيـرْ اليـُومْ؟)

-تـْعـالَ، يَـا، خـُذ ليكْ كـْريميساتْ هـْشاشْ بـاشْ تـجُـوّفْ مْـن المْـزيانْ..

كنتُ قـد صـرتُ عـلى بُعـد مسـافـة مُحتـَرَمة من صناديقه. اكتفيـتُ بعـلامةِ الـرّفضِ برأسي. (غيـرْ خـْلـّيـهْ عْـندكْ اليـُومْ داكْ السّـي لـْكرمُـوسْ ديـالـْك.. حْتـّى 400 راهـَا “هْشيشـَة” إلى بْقـاتْ فـْجيبي).. قـلتُ لـي، وأنـا أتـوقـّف عنـد الخـضّـار المُـوالي. ونِكـايـة فـي بّا المـْعطـي، رحتُ أنتـقي مْنـُونـة صفـراءَ قـرّرتُ أن أبقـر بطنَهـا عـلى مـائدة إفطـاري اليـوم..

تـابعَنـي بعينيـه البُـوميّتـَين، وهـو يهُـزّ رأسه الصّغيـرة، فـوق جسده القصير. تبسّمتُ وأنـا أتذكّر مأثـورة حسَـنْ، الـّتي لـَمْ يكـنْ يُفـوّتُ فـُرصـة لتـرديدِهـا عـلى مسـامِع عـلِـي، ذاتَ تسعينيـاتٍ.. “أقـربُكــُم إلى الأرضِ أشـدّكـُم بلاءً”، كـان يُـردّد، حَسَـنْ، كـُلـّما شـرب أحـدَ مقـالب صـديقـنا علي.. وتلـكَ أيّـامٌ لنـا كـانتْ فيهـا حكـايات..

تعمّدتُ أن أمُـرّ مِـن أمامِ محلـّه حامِلاً مَلـُونـَتي المُختارة.

-وانـْقـصْ شـْويّـة، أبّـا المْعـْطي، راكْ كـتقسّـْح مْعـانا..
قلتُ دون أن أتـوقـّف. (هـل تعـرفُ، بالمُنـاسَبـة، أنـّك لـو نقلـتَ دِيسيـرَكَ الغـالي هـذا نـُزولاً نحـو المغـرب -الـدّاخل، فـي أيّ اتـّجـاه، قد تـَخْلـُص إلـى أنـّكَ تبيـعُ القـرَعَ عـلى أنـّه فـاكِهـة!)..

كان يعرف أنـّني لا أنـوي اليـومَ إلا تعكيـرَ مزاجـِه وليستْ لي نيّـة شراءِ شيءٍ منه. تحـاشى نظـرتي وتجاهل كلامي. واصل تنميقَ تينِه فـي الصّندوقين.

كـانتْ سـاعـاتُ الذروة قد بدأتْ في السّـويقـة. عـرّجتُ عـلى صـاحب التـّيلبـُوتيك. صـار يحفـظ الـرّقم. يكفـي أنْ أضع العشـرة دراهمَ في الطـّاسةِ أمامه كي يتنـاول هاتفا ويشـرعَ فـي إدخال الأرقام العشرة. يُعيـدها عـلى مسـامعي وهو يتطلـّع إليّ، يـرى إنْ كنتُ أحمل معي عـددَ اليـوم مِـن الصحيفة أمْ لا..

-06 -56 -94 -5

-هـيّ هاديكْ..

أقـاطعُه. أدفـع إليه الصحيفة وأواصل نـُزولا صـوب الحـيّ الخـلفيّ. قـُرب البّـُوسْتْ يكـُون السّـُوق المسـائيّ قد تجمّـع. كثيـرٌ مـن المأكـُولاتِ والمشروبات، لكـنْ بأثمنـة مُلتهبـة..
مِـن أين يأتي فقـراءُ المدينة بكـُلّ هذه الأمـوال التي يتطلـّبُ إشبـاعُ شهـوتِهـِم مِن التّمر واللًحومِ والدّيسير؟.. وهل تُميّز هـذه الأسعـارُ بين الفقـير والمُـوسـر!؟..

-هـا واحْـد السّـلام عليكـُم، كـايْـن شـي بُوزّروكْ؟
-لاواهْ كـايْـن كـْرمُوس النـّصـارى!

تُجيبُني الشّْريفـة، وهي تتطلع إليّ مِـن خلف نظـاراتْ الشّوفْ وهي غـارقـة في تقطيع عجـائن المْسمّـنْ في “بـانـْيُـو” أزرق كبير.

-واغيـرْ سـْكتي عـْلى الكـْرمـُوسْ.. عـادْ جْهّـْلتْ ليكْ بّـاالمْعـْطي.. ههههه.. گـاليـكْ بْغى يْعاوْد يبيعْ ليّ الكـْرمـُوسْ، وْبـ400 دْريالْ اليــُومْ، ماشي حْتى بـ300.. يْسحابْ لـيهْ أنــا هـو نــْصّ بْلاصَة..

-ههههههههه

تصخُـب ضحكتها المجلجلة فـي المحلّ وهي تمسح يديْها لتـختـارَ لـي حـُوتاتي السّت وحبّتَي فُلفـُل..

-وْالدّنجـالْ، نـْديرْ ليكْ شـي وْحـْدة؟

-لا، الدّنجـالْ تيـديرْ لعـگارْبْ! مـا عْـنديشّ مْعـاه، هيرْ خْلـّيهْ تـْمّـاكْ، بحالْ كـْرمُــوسْ بّـا المْعـْطي..

-سيـرْ اللهْ يعطيكْ مـا تـّاكـْل.. كـانْ عْليكْ تـْشري مْن عـْندو، مْسكـينْ غيـرْ شـي نـْصّ كيلــُو..

-إيّـه، واخّ.. مْسكـينْ نيـتْ! نـْصّ كيلـُو بـ1000 فّرانكْ.. راني جايّ مْـن الفِلـِپينْ وْمـُوضّـرْ فـْهادْ السّـويقـة..
-هههههههه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *