محمد أقديم

 

لعل الجميع يتذكر الأجواء التي تم فيها ابتلاع سم “البكالوريا المفرنسة” في طعم “البكالوريا الدولية”، في 2014، في غياب تام لأي رد فعل، لا من المؤسسة التشريعية (البرلمان، بغرفتيه) ولا من المجتمع المدني ولا من الأحزاب السياسية. وتم تسويق ذلك إعلاميا، بتصوير هذه البكالوريا على أنها بوابة التفوق المدرسي والنجاح المهني وأن حامليها هم من التلاميذ المحظوظين، دون غيرهم من حاملي البكالوريا العادية. وتم جعلها في البداية مفتوحة على أساس الانتقاء كتكتيك مرحلي وتم جعل الولوج اليها محدودا:

أولا، بهدف جس نبض المجتمع. ثانيا، لجعلها مرغوبة من طرف الجميع. ثالثا، بهدف تجريب خطة إعادة “الفرنسة” إلى منظومة التعليم العمومي بسياسة “بقعة الزيت” تفاديا لردود فعليا غير متوقعة من المجتمع و قواه الحية.

وفعلا نجحت الخطة 100%، إذ أخذ معظم الطبقة المتوسطة، و خاصة الموظفين ورجال التعليم، يتسابقون لتسجيل أبنائهم في هذا المسلك ويحتجون على إقصاء أبنائهم، مطالبين بجعلها مفتوحة أمام كل من يرغب فيها وبإلغاء عملية الانتقاء اعتمادا على النقط.

وبهذه الخطة الجهنمية تم جعل سم “الفرنسة” مرغوبا من الجميع ولم تتفطن أقلية من التلاميذ والآباء إلى الخدعة إلا بعدم نزل قرار تعميم فرنسة كل السلك التأهيلي تحت شعار “تعميم البكالوريا الدولية”. وتم فتح مسالك للفرنسة في السلك الاعدادي بالطريقة نفسها والأهداف نفسها.

هكذا وجد معظم التلاميذ أنفسهم غير قادرين على استيعاب المواد العلمية باللغة الفرنسية. كما تبين لهم أن هذه لباكالوريا التي سميت “دولية” ظلما وتمويها، ليست في الحقيقة سوى “فرنسة” للمواد العلمية، لا غير، ولا علاقة لها حتى ببكالوريا دولة فرنسا..

والآن في العديد من الأكاديميات، لم يعد هناك اختيار للتلاميذ بين الشعب المعرّبة والشعب المفرنسة، بل أصبحت هذه الأخيرة معممة ومفروضة على كل التلاميذ. فعندما يقوم الآن معظم التلاميذ الناجحين من السلك الاعدادي بطلب واختيار التوجه إلى الشعب العلمية المعرّبة في السلك التأهيلي، تُرفض طلباتهم ويعاد توجيههم رغما عنهم إلى الشعب العلمية المفرْنَسة، على أساس أن ليس هناك تدريس للمواد العلمية بالعربية نهائيا، ما نتج عنه اختيار أغلبية التلاميذ التوجه إلى الشعب الأدبية، فارين من الشعب العلمية. وهذا ما يتناقض مع توجه الوزارة، التي تسعى إلى جعل أكثر من 60% من التلاميذ يختارون الشعَب العلمية.

هكذا بدأت الفرنسة اختيارية ومرغوبة وانتهت اجبارية مرفوضة، رغم أنها عبارة عن إجراءات تربووية وتدابير إدارية غير قانونية وغير دستورية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *