إعداد: عبدو المراكشي
هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.
رحلتُنا الليلة مع مغربي سطع في مجال البحث والاختراعات والابتكارات. هو ميدان ليس حكرا على “شْهب الرّاس”، إذن. رشيد اليزمي مخترع مغربيّ كسر طوقَ مجال قلّما ينبغ فيه المغاربة وبقية شعوب المغرب الكبير والدول العربية عموما.
ولد العالم والمخترع المغربي في مجال الفيزياء في فاس وتابع دراسته العليا في فرنسا. قضى هناك أزيد من عشر سنوات حصل خلالها على الدكتوراه واشتغل في معهد البحث العلمي.
تلقى تعليمه الثانوي بثانويتي مولاي رشيد و مولاي إدريس في فاس، حيث نال شهادة الباكالوريا -شعبة العلوم الرياضية. وكانت 1971 بدايته الجامعية في المغرب، عبر جامعة محمد الخامس في الرباط، التي لم يمكث فيها إلا سنة واحدة قبل أن يلتحق بفرنسا.
ومن فرنسا سينتقل اليزمي إلى اليابان، التي قضى فيها خمس سنوات. وبعد محطة اليابان، كانت الولايات المتحدة الأمريكية. في كاليفورنيا سيشتغل في معهد “ناسا” عشر سنوات، ثم في المعهد الوطني للطاقة في سنغافورة.
لدى اليزمي عشرات براءات اختراع. وتعدّ بطارية “الليثيوم”، التي تستعمل في الهواتف والحواسيب، أهمّ وأشهر اختراع له. وبفضل هذا الاختراع حصل على العديد من الجوائز والتكريمات، منها جائزة “الأكاديمية الوطنية للمهندسين” الأمريكية.
في العالم اليوم ليست هناك بطارية لهاتف محمول أو لحاسوب محمول صغير لا تحمل “بصمة” البروفيسور المغربي رشيد يزمي. ولولا اختراعه لكانت الهواتف المحمولة، على سبيل المثال، لا تزال ثقيلة وكبيرة.
لقد أحدث العالم المغربي اليزمي طفرة غير مسبوقة في العالم في نظام تخزين الطاقة لما يسمى اليوم “بطاريات الليثيوم”، التي تسوّقها، منذ تسعينيات القرن الماضي، شركة “سوني” اليابانية. قبل “حقبة” اليزمي كان العالَم برمته، أسيرا لنظام قديم يحمل اسم الـ“نيكل كاديوم” في البطاريات.
صنفه موقع “Mvslim.com” ضمن لائحة أكثر 10 مسلمين أداروا العالم وأنجزوا أشياء “عظيمة” في 2015، بفضل اختراعه رقاقة تُمكّن من شحن البطارية في عشر دقائق، لا أكثر.
فوق ذلك، اخترع اليزمي رقاقة أخرى تستشعر البطاريات التالفة التي يمكن أن تُفجّر الهاتف.
في 2014 كان اليزمي واحدا من العلماء الذين حازوا جائزة “تشارلز ستارك دريبر” للهندسة، لإسهامه الكبير في تطوير بطارية “ليثيوم أيون”. كما حصل في السنة نفسها على وسام ملكي من الملك محمد السادس.
هو “ملِك البطاريات” الذي أدهشت اختراعاتُه العالم. فاقت عدد براءات الاختراع التي حصل عليها الـ60. كانت البطارية الذكية الإنجاز التكنولوجي الذي أدخله تاريخ الاختراعات في العهد الحديث. كان ذلك بفضل هذه الشريحة الذكية الآي يمكنها شحن بطاريات الليثيوم في أقل من 10 دقائق. كما تُقلل مخاطر السخونة المفرطة التي تؤدي أحيانا الى اندلاع حرائق، وحتى إلى انفجارات.
ولم تكن هذه الشريحة الاكتشافَ الكبير الأول للبروفيسور اليزمي الذي سبق له القيام بدور حاسم في تطوير أولى بطاريات الليثيوم في ثمانينات القرن الماضي، مما أهله لنيل جائزة “درابر” المرموقة سنة 2014 من الأكاديمية الوطنية للهندسة.
يركز فريق البروفيسور اليزمي على متابعة الأنظمة الإلكترونية لمراقبة البطاريات. و”تتمثل إحدى وسائل تشخيص حالة صحة وسلامة البطارية التي سجل براءة اختراعها في قياس طيف التحول الذي يوازي بالنسبة للبطارية جهاز تخطيط القلب بالنسبة للمريض”.
وبإمكان هذه الشريحة، بحسب مخترعها، تقديم معلومات مفيدة لشاحن البطارية الذي يفعل حينها “بروتوكولا لتكييف الشحن” يختلف عن الموجود حاليا ويمكنه، عند الحاجة، شحن البطارية في عشر دقائق.
ولا تقتصر التطبيقات فقط على الشحن السريع، بل تمتد أيضا إلى التحديد الدقيق لحالة الشحن وحالة الصحة والسلامة، التي تكتسي أهمية كبرى من أجل استعمال آمن وطويل الأمد للبطاريات، حسب البروفيسور اليزمي.
وبخصوص الهواتف الذكية تتبين حاجة كبيرة، خاصة على مستوى الأنظمة التي تدوم لأطول مدة ممكنة بين عمليتي شحن و/أو تشحن سريعا جدا. وترتبط جميع هذه الأسئلة بإيجاد مواد قادرة على تخزين قدر أكبر من الطاقة في أقصر مدة زمنية معقولة وتدوم عدة أعوام.
يرتبط البروفيسور اليزمي، الذي اشتغل في المركز الوطني للأبحاث العلمية في جامعة كيوطو وفي معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في لوس أنجلس، بالمغرب ويتابع عن كثب الإنجازات في مجال التكنولوجيا. وقال في هذا الإطار “أنا بالتأكيد مغربي وأفتخر بذلك، لكن عندما أمارس مهنتي كباحث لا أبالي بجنسيتي، وأفكر بالأحرى في خدمة الإنسانية”.