بقلم : يونس التايب

 

حل شهر رمضان المبارك بما له من قدسية خاصة لدى عموم الشعب المغربي. شهر اقترن بالعطاء والرحمة والعفو والصفح والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى. وهو شهر صلة الرحم بامتياز، إذ يحلو التواصل مع الأهل والأصدقاء وتجتمع الأسر على مائدة الإفطار المغربي الأصيل. وهو شهر الخير والكرم و تفقد الضعفاء والمحتاجين، من خلال مبادرات متنوعة ينخرط فيها محسنون ومؤسسات مختلفة.

وهو كذلك شهر حمل لأبناء وطننا، غير ما مرة، بشارات خير وتدابير عملية لإصلاح الأمور بما يخدم مصالح الناس، وينشر بينهم الفرح ونزوعات الخير والتفاؤل. فهل نسمع خلال الأيام القليلة المقبلة ما يحيي الأمل ويجعلنا نطمئن إلى وجود وعي حقيقي بأن هنالك تجليات ضاغطة تبين أن شيئا ما ليس على ما يرام في واقعنا الوطني وأن الحكمة تستدعي ضرورة اتخاذ تدابير إصلاحية حقيقية استعجالية لمعالجة الأعطاب؟

فأمام استمرار مظاهر الأزمة الاجتماعية، من احتحاجات مهنية قطاعية متنوعة، واستفحال لبطالة الشباب وغلاء للأسعار وتردي القدرة الشرائية، التي تعاني من وطأتها فئات واسعة من مواطنينا؛ وأمام استمرار الحياة السياسية في رتابتها، بين حكومة لا تأتي بجديد ومعارضة ما زالت مشتتة تبحث عن نفسها؛ وأمام عجز خطابات “النخبة والزعماء” على خلق التعبئة الضرورية حول خطوات إصلاحية بشأن قضايا مشتركة لخدمة الوطن، يزداد قلق الناس وتتعزز لدى الكثيرين حالة من التوجس من أفق لا تبدو ملامحه بصورة واضحة ومطَمئنة.

ولأننا شعب مسلم ومسالم، كنا دائما، عندما تضيق الأحوال ويتقلص هامش الفعل الإيجابي في المجتمع ولا نرى الغالبية تهتدي إلى سبيل الرشاد، نسأل الله اللطف في قضائه وندعو لهذا الوطن العزيز، الذي نريده أن يكون قويا بمؤسساته وبشعبه الكريم المعطاء. وعلى الدرب نفسه أسير، وأدعو، بكل يقين وأمل، أن يأتي هذا الشهر الفضيل ببشارات تجديد الثقة وإحياء الأمل الكبير في نفوس الناس، من خلال تدابير حكمة وسداد، بعبقرية مغربية أصيلة تجعل الشأن العام الوطني ينصلح وتستقيم الأمور في عدة قطاعات وتعود الطمأنينة إلى النفوس.

وفي ظني أن ذلك ممكن عبر سلسلة إجراءات قوية، لعل أولها اتخاذ إجراءات قوية لتجاوز “حالة الترهل” التي ضربت بعض مؤسسات الوساطة، من جمعيات مدنية وأحزاب سياسية، وجعلتها تبدو وكأنها في حالة “استقالة جماعية” عن تحمل المسؤولية المؤسساتية والنهوض بها.

فأمام كم المشاكل والتحديات التي تواجهها بلادنا، ليس معقولا قبول ما نراه من ضعف الحركية التدبيرية لمؤسسات الوساطة تلك، ومن تغييب للبعد الأخلاقي والقيمي في الفعل وفي الخطاب، ومن شيوع لثقافة المصالح الخاصة والجري وراء المغانم والمكاسب بكل الطرق، حتى لو كانت غير مشروعة.

كما لم يعد ممكنا الاستمرار في قبول التدمير الممنهج لفكرة “القدوة” و”النماذج المضيئة” وسعي البعض إلى تسفيه أهميتها في تسهيل اقتفاء السبيل الأصلح. كما أصبح عبثيا الصمت أمام استمرار عرقلة تجديد النخب والتضييق على الكفاءات، حتى أصبحنا وكأننا عاجزون عن إيجاد وجوه جديدة أو كأن ليس بيننا الصالحون الذين يستطيعون رفع تحديات المرحلة.

كلنا نعلم أن هذا الواقع البئيس أدى بنا إلى تراجع القدرة على بلورة خطاب عملي وجذاب، ينطلق من تشخيص متين للواقع وينفذ إلى قلوب الناس وتتبعه، بعد ذلك، حركة تأطير راشد للمواطنين والشباب، بمواكبة هادفة تعيد الثقة وتقوي لحمة النسيج المجتمعي وتسير به إلى أفق أكثر تفاؤلا. فهل نستمر هكذا نتابع بسلبية إلى أن تحل بنا “سكتة قلبية”، ربما تكون قاتلة هذه المرة؟

ألم يحن الوقت لتتجلى عبقريتنا من خلال رد الاعتبار لقيم الجدية والاستقامة والمحاسبة الصارمة وسمو القانون فوق الجميع والحرص على المصالح العامة أولا؟

ماذا ننتظر لإطلاق دينامية جديدة لتوفير وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المكفولة دستوريا، في انتظار اعتماد نموذج تنموي يعزز إمكانية تحقيق المساواة بين الناس، وبين المجالات الجغرافية، في ما يخص الاستفادة من عائدات التنمية؟

ما المنطق، ونحن سرطان البطالة الزاحف، أن نظل مشلولين أمام البيروقراطية والفساد الذي يعرقل المبادرة الحرة ويمتع توفير شروط تشجيع الاستثمار وحمايته؟

ما الذي يبقينا عاجزين عن إبداع برامج مبتكرة لإدماج الشباب وتشجيع ملكات الإبداع لديهم، وتجنيبهم بذلك مصائب ثلاثية “التطرف أو الإجرام أو المخدرات”؟ ماذا ننتظر لتمكينهم من أن يعيشوا بعيدا عن الإحساس بـ”الحكرة والتهميش والإهمال” التي يشعرون بها من جراء غياب أفق إدماج اقتصادي وتدني خدمات مؤسسات القرب وسوء تدبيرها وضعف المواكبة وتأطير الإبداع، التربوي والاجتماعي والفني والثقافي والرياضي؟

أمام واقع اقتصادي عالمي تنافسي لا مكان فيه للتفاهة والتافهين، ماذا ننتظر لإعلاء مقام الكفاءة والاستحقاق، لتطوير دينامية تدبير المؤسسات العمومية حتى تؤدي مهامها، عوض ما هو قائم من محسوبية وزبونية وتقديم للولاءات السياسوية الضيقة التي لا تخدم سوى مصالح أصحابها وتضخم الأنا لديهم؟

هي أسئلة من جملة أخرى، أضم من خلالها صوتي إلى أصوات وطنية غيورة ما فتئت تنبه إلى أن الأزمة زاحفة، وأن تفكك الأواصر المجتمعية يزداد بسرعة، من جراء التهميش والإهمال والتضييق. وهي أيضا أسئلة تستدعي أجوبة، بها وبأشياء أخرى، ستحفظ الكرامة، وبها ستتعزز قدرتنا على التصدي لدعاة العدمية والتسفيه، وبها سيتقوى ارتباط الناس بالوطن، وبها ستتعزز جذوة الأمل والتفاؤل. والأمل ضرورة مجتمعية إستراتيجية مُلحّة، لو يعلمون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *