عبدو المراكشي

هي أسماء كثيرة حلّقت بعيدا عن أرض الوطن لتصنع تاريخها في المهجر. من الرياضة إلى السياسة، فالثقافة والبحث العلمي والاقتصاد وعلم الاجتماع.. أسماء لمعتْ في شتى الميادين، فرّقتها الجغرافيا ووحّدها اسم المغرب.. ونقدّم لكم لمحة عن بعضهم في هذه الفسحة الرمضانية.

 

الحلقة الأولى

العربي بن مبارك.. الجوهرة المغربية التي صنعت أمجاد الكرة الإسبانية

كثيرون يعرفون ربّما أن العربي بن مبارك (المزداد يوم 16 يونيو 1917 في الدار البيضاء وتوفي يوم 16 شتنبر 1992) إلى جانب كونه جوهرة الكرة المغربية، هو أيضا، قيمة كروية خالدة في أذهان وأرشيف الإسبان واحدا من أساطير الكرة في نادي أتلتيكو مدريد، أحد أعرق الأندية الإسبانية.

يعدّ “الجوهرة السوداء” واحدا من أشهر لاعبي كرة القدم في تاريخ المغرب وإفريقيا وأوربا، وكان في ثلاثينيات القرن الماضي أبرز نجوم الصف الأول في كل فرنسا وإسبانيا.

كان بن مبارك مهاجما سريعا وقويا وذا مهارات فنية عالية، مع موهبة فطرية في تسجيل الأهداف، وقد ساهم في صنع أمجاد أندية كثيرة، منها أتليتيكو مدريد وأولمبيك مارسيليا ونادي فرنسا.

كان في طفولته يحب لعب كرة القدم في واحدة من المساحات الفارغة التي كانت في مختلف أحياء الدار البيضاء، المدينة التي كانت تشهد توسعا في عهد الاحتلال الفرنسي. وكانت ملاعب الأحياء بمثابة مدارس التكوين التي تخرّج فيها نجوم الكرة المغربية، في غياب بنيات رياضية احترافية في ذلك الوقت.

وفي ظل ولعه بالكرة وصعوبة الوضع المادي لأسرته، اضطر إلى ترك فصول الدراسة قبل دون أن يُنهي المرحلة الابتدائية.

شيئا فشيئا، أخذ اسم العربي بن مبارك يتردد على ألسنة المهتمين بشؤون الكرة في الأحياء الشعبية. ثم انضمّ إلى فريق “اليسام” الشهير.

وبفضل موهبته انتقل إلى فرنسا، ليلتحق في 1938 إلى أولمبيك مارسيليا، كأول لاعب عربي يحترف في أوربا. وقد تألق العربي بأهدافه ومراوغاته وقوة اختراقه لدفاعات الفرق المنافِسة واحتل الجوهرة السوداء مع مارسيليا وصافة الدوري الفرنسي. غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية (1939) أوقف مسيرته بعد موسمه الأول.

وبانتهاء الحرب، عاد بن مبارك إلى فرنسا لكنْ رفقة نادي “ستاد باريس”، الذي حقق معه الصعود إلى الدوري الممتاز واحتلال المركز الخامس في موسمه الأول في قسم الكبار.

صار العربي محط أطماع الأندية الأوروبية الكبرى، ليلتحق في 1948 بفريق أتليتيكو مدريد، الذي لمع فيه كواحد من أكبر مهاجمي الدوري الإسباني. وقد شكًل مع السويدي كارلسون أقوى ثنائي هجومي في إسبانيا، وتم التعاقد معه بمبلغ 17 مليون فرنك فرنسي، الذي كان “ثروة طائلة” في ذلك العهد.

فاز بن مبارك مع أتليتيكو على لقب الليغا في موسم 1949 -1950 وفي الموسم الموالي 1950 -1951. وترك الفريق في نهاية الموسم الكروي 1952 -1953 وقد سجل بقميصه 56 هدفا في 113 مباراة.

بعد ذلك، عاد بن مبارك إلى نادي مارسيليا، الذي تألق في صفوفه حتى 1955، موعد اعتزاله دوليا.

ولا يزال أرشيف الصحف الإسبانية المعروفة، مثل ماركا ولفنغوارديا، يحفل بمواد حول إنجازات النجم الراحل.

كما حظي بن مبارك بإشادة من “الملك” بيليه،الذي أثنى على مهاراته الفنية. وقد نسب إلى بيلي -الذي جمعته صورة شهيرة بالراحل – قوله “إن كنت أنا ملك الكرة، فإن بن مبارك هو إلهها”…

وحصل بن مبارك على العديد من الجوائز والأوسمة خلال مسيرته الحافلة، وأجمع المؤرخون الرياضيون على أنه أول لاعب إفريقي يصل “النجومية”.

وفاز العربي بن مبارك بلقب الدوري الإسباني مع أتليتيكو مدريد في موسمي 1950 و1951 وحاز كأس إسبانيا الممتازة في 1951 ونال بطولة شمال إفريقيا مع الاتحاد الرياضي المغربي سنوات 1937 و1940 و1941 و1942 و1943.
ووشّحته الكونفدرالية الأفريقية لكرة القدم (1990) بوسام الاستحقاق تقديرا لمساره الرياضي المتميز، وخصص له نادي مرسيليا تكريما بعد وفاته. وقدّم المخرج المغربي إدريس المريني، تكريما لذكراه، فيلما سينمائيا حول سيرته بعنوان “العربي”.

لكنْ رغم كل الإنجازات وسنوات المجد الرياضي، دخل العربي بن مبارك طور النسيان في سنينه الأخيرة، التي قضاها في وحدة وعزلة وعانى كثيرا إثر وفاة زوجته الفرنسية “لويز”، التي تنحدر من أسرة فرنسية من النبلاء وكانت قد اعتنقت الإسلام وحملت اسم “مليكة”.

في 16 شتنبر 1992 عُثر على العربي بن مبارك ميتا في بيته، وتبين أنه فارق الحياة قبل ذلك بثلاثة أيام…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *