*فدوى مساط
دون مقدمات، عادت الطبيبة للمكتب وقالت بشبه ابتسامة: “بوزيتيف”! سقط قلبي في صدري وقلت لنفسي أنني كنت أرغب في أن يكون كل شي بحياتي “بوزتيف”، إلا في هذه الحالة، ولكنها الأقدار.. ما كنت أتابع أخباره عبر الشاشات قد وصل عتبة بيتي هذه المرة.
اختفى بعد عبارة “بوزيتيف” العالم الخارجي. عانقتني طفلتي التي نظرت إلي مفزوعة. حاولت إخفاء دموعها عني ولكني شعرت بها تفيض على جنبات روحي. أمسكت يدها الساخنة بفعل الحمى، وغادرنا.
حبيبتي ليليان، هل سبق وأخبرتك كم أحبك؟ فعلت ذلك هذا الصباح فقط؟ قبل خمسة دقائق أيضا؟ اسمحي لي أن أقولها مرة ثانية وثالثة ورابعة وخامسة، فأنا أخاف أن يخطفك “أوميكرون” مني، أن تغمضي عينيك ولا تفتحيهما مرة أخرى.. أخاف أن تخطفك هذه الحمى اللعينة التي تنام تحت جلدك وتبعث بحممها داخل شرايينك.. أخاف أن تنقطع أنفاسك وأنت في حضني، مريضة، مستسلمة لهذا الفيروس الغامض الذي تسلل عبر عينيك كي يحطم قلبي ويشعرني بالعجز عن حمايتك منه.. حبيبتي ليليان، أخبري هذا الفيروس اللعين الذي ينام مرتاحا داخل صدرك، أنني أريده أن يحمل أعراضه ويغادر جسدك النحيل.. لا تخافي علي، فأنا مستعدة لمنازلته.
لقد تعبت من حمل ميزان الحرارة طوال الليل وتعقب أنفاسك الضعيفة كي أتأكد أنك مازلت على قيد الحياة.. سأضيف هذه الليالي الطويلة دون نوم إلى الفاتورة التي لن يتم تسديدها أبدا.. في فترة العزلة التامة عن العالم، يبدو العالم الخارجي مبالغا في تقديره.
لا أفتقد حقيقة شيئا مما يدور خارج بيتي، حتى أنني لست مهتمة باستعجال هذه الأيام للعودة إلى حياتي (الطبيعية)، فلاشيء يغريني مما هو موجود خارج عالمي الجديد معك ليليان. في هذه الأيام لم أعد أشعر بالغربة، اختفت أمريكا بجغرافيتها وعادت للحياة تلك التفاصيل المغربية الدافئة: صديقاتي المغربيات يحضرن الكسكس والحلوى إلى عتبة الدار مع بعض الورود، وفي اليوم التالي يأتي الطاجين والكثير من الدعوات. وهل يمكن أصلا تخيل مواجهة “أوميكرون” بدون طبق الطاجين اللذيذ؟ في هذه الأيام الطويلة، تحولت القراءة عن كورونا وابنها غير الشرعي “أوميكرون” إلى مسألة شخصية: كم عدد المصابين في أمريكا وهل أغلق المغرب حدوده مرة أخرى؟ حتى الهراء الذي يقوله الدكتور فاوتشي يبدو مهما لي هذا المساء. عدا عن ذلك، لايتضمن عالمي سوى واتساب واتصالات الأصدقاء للاطمئنان.
أتمنى من قلبي أن أضحك كثيرا عندما سيذكرني فيسبوك بهذه الأيام العام القادم. سأضحك كثيرا وستضحك ليليان معي.. سنتذكر كم كنا ضعفاء، وكم كنا شجعان، كم كنا وحدنا، وكم كنا محاطين بالحب.
“أوميكرون”، أيها الضيف المتحور الغريب، لقد أقمت ما يكفي في صدر طفلتي وخربت قفصها الصدري، فأرجوك غادر ولا تأت مرة اخرى…
*صحفية مغربية مقيمة في أمريكا